الأولى وجه آخر: أنه صحيح، وسنذكره في نظائره، ويؤيده أنه لو كان المبيع في يد المشتري عند البيع صح قبضه لنفسه على تفصيل سيأتي -إن شاء الله تعالى- في "الرهن" فإن حجة الإسلام ذكر طرفاً منه هناك.
ولو اكتال زيد وقبضه لنفسه، ثم كاله على مشتريه وأقبضه، فقد جرى الصَّاعَان وصح القبضان، ثم إن كان وقع في الكَيْل الثَّاني زيادة أو نقصان، ينظر إن كان قدر ما يتفق بين الكيلين، فالزيادة لزيد والنقصان عليه ولا رجوع له، وإن كان كثيراً تبيّن أن في الكيل الأول غلطاً أو تغليطاً فيرد زيد الزيادة، ويرجع بالنقصان.
ولو أن زيداً لما اكتاله لنفسه لم يخرجه من المكيال وسلّمه كذلك إلى مشتريه فوجهان:
أحدهما: أنه لا يصح القبض الثَّاني، حتى يخرجه ويبتدئ كيلاً.
وأظهرهما عند الأكثرين: أن استدامته في المكيال كابتداء الكيل، وهذه الصورة كما تجري في دَيْني السلم تجري أيضاً فيما إذا كان أحدهما مستحقاً بالسلم، والآخر بِقَرْض أو إتلاف.
ونختم شرح الفصل بكلامين في شرح لفظ الكتاب:
أحدهما: قوله: "فتمام القبض فيه بالنقل والكيل"، لفظ التمام إنما كان يحسن أن لو اقتصر على ذكر الكيل ليكون ذلك إشارة إلى النقل الكافي، فما سبق غير كافٍ هاهنا، بل لا بد من تتمة له وهو الكيل، أما إذا وقع التعرض للأمرين جميعاً، فلفظ التمام مستغنى عنه.
والثاني: قوله: "فلو اشترى مكايلة وباع مكايلة"، يمكن تنزيله على صورة السلم، ويمكن أن يكون شراء المعين وبيعه مراداً، ولكن البيع حينئذ يقع بعد ما اكتاله لنفسه، وإلاَّ فهو باطل لكونه قبل القبض، وظاهر قوله: "فلا بد من كيل جديد"، يوافق الوجه الذاهب إلى أن استدامته في المكيال غير كافية.
وقوله: "ولا تكفي التخلية"، يجوز إعلامه بالحاء والميم والواو لما رواه حرملة.
وقوله: "يحصل انتقال الضمان بالتخلية" بالألف.
فرع: مؤنة الكيل الذي يفتقر إليه القبض على البائع، كمؤنة إحضار المبيع الغائب، ومؤنة وزن الثمن على المشتري لتوقف التسليم عليه، ومؤنة نقد الثمن هل هي على البائع أو المشتري، وحكى صاحب "الحاوي" فيه وجهين (١).
(١) ينبغي أن يكون الأصح أنها على البائع قال في المطلب أنه الأشبة.