قال الغزالي: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ (و) أَنْ يَقْبِضَ لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَيَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ، إلاَّ الوَالِدَ يَقْبِضُ لِوَلدِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَلنَفْسِهِ مِنْ وَلَدِهِ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ في طَرَفَي البَيْعِ.
قال الرافعي: للمشتري أن يوكل بالقبض، كما له أن يوكل بالعقد، وكذا للبائع أن يوكل بالإقباض، ويعتبر في ذلك أمران:
أحدهما: أن لا يوكل المشتري من يده يد البائع كعبده ومُسْتَولدته ولا بأس بتوكيل ابنه وأبيه ومُكَاتبه، وفي توكيل عبده المأذون في التِّجارة وجهان:
أصحهما: أنه لا يجوز.
ولو قال للبائع: وَكِّل من يقبض لي منك ففعل جاز، ويكون وكيل المشتري، وكذا لو وكل البائع بأن يأمر من يشتري منه للموكل.
والثاني: ألاَّ يكون القابض والمُقْبِض واحداً، فلا يجوز أن يوكل البائع رجلاً بالإقْباض وَبِوِكالة المشتري بالقبض كما لا يجوز أن يوكله هذا بالبيع، وذاك بالشراء ليتولى الطرفين.
ولو كان عليه طعام أو غيره من سلم أو غيره، فدفع إلى المستحق دراهم، وقال: أشتر بها مثل ما تستحقه واقبضه لي ثم اقبضه لنفسك، ففعل صَحَّ الشراء والقبض للموكل، ولا يصح قبضه لنفسه لاتحاد القابض والمقبض، وامتناع كونه وكيلاً لغيره في حق نفسه، هذا هو المشهور.
وحكى المسعودي وجهاً: أنه يصح قبضه لنفسه، وإنما المُمْتنع أن يقبض من نفسه لغيره، ولو قال: اشتر بهذه الدَّراهم لي واقبضه لنفسك، ففعل صحَّ الشراء ولم يصح قبضه لنفسه؛ لأن حق الإنسان لا يتمكن الغير من قبضه لنفسه، ويكون المقبوض مضموناً عليه، وهل تبرأ ذمة الدافع عن حق الموكل، فيه ما مر من الوجهين.
ولو قال: اشتر لنفسك، فالتوكيل فاسد، إذ كيف يشتري بمال الغير لنفسه، وتكون الدراهم أمانة في يده؛ لأنه لم يقبضها ليمتلكها، فإن اشترى نظر إن اشترى في الذِّمة وقع عنه، وأذى الثمن من ماله، وإن اشترى بعينها فهو باطل، وذكر ابن سُرَيْجٍ وجهاً: أنه صحيح. ولو أذن لمستحق الحِنْطة أن يكتال من الصُّبْرة حقه، ففيه وجهان:
أصحهما: أنه لا يجوز؛ لأن الكيل أحد رُكْني القبض، وقد صار نائباً فيه من جهة البائع متأصلاً لنفسه.
والثانى: يجوز؛ لأن المقصود منه معرفة المقدار والمقبض هو البائع.
ويستثنى عن الشرط الثاني ما إذا اشترى الأب لابنه الصغير من مال نفسه، أو