للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّصوير أولاً، وإن كذبه المشتري فهذا يفرض على وجهين:

أحدهما: أن لا يبين للغلط وجهاً محتملاً، فلا يقبل قوله، ولو أقام عليه بَيِّنة لا تسمع دعواه؛ لأن اعترافه بأن الثمن مائة يكذب قوله الثاني وبينته، فلو زعم أن المشتري عارف بصدقه، والتمس تَحْلِيفه على أنه لا يعرف ذلك، فوجهان في أنه هل يجاب؟

أحدهما: لا يجاب، كما لا تسمع بَيِّنته.

والثاني: يجاب؛ لأنه ربما يقر عند عرض الثَّمَن عليه (١) فعلى هذا إنْ نكل هل ترد اليمين على المدعي؟

فيه وجهان (٢) بناء على أن اليَمِيْن المردودة بعد نُكُول المدّعى عليه كالإقرار من جهة المدّعى عليه، أو كالبَيِّنة من جهة المدّعي، وهذا أصل يشرح في موضعه إن شاء الله تعالى. فعلى الأول يرد، وعلى الثاني لا، ثم إذا قلنا بتحليف المشتري، فإنما يحلف على نفي العلم، فإن حلف أمضى العقد على ما حلف عليه، وإن نكل ورددنا اليمين فالبائع يحلف على القطع، وإذا حلف فللمشتري الخيار بين إِمْضَاء العقد بما حلف عليه، وبين الفسخ كذا أطلقوه، وقضية تنزيله منزلة إقرار المدّعى عليه أن يعود فيه ما ذكرنا في حالة التَّصْديق.

والثاني: أنْ يتبيَّن للغَلَط وجهاً محتملاً مثل أن يقول ما كنت اشتريته بنفسي، وِإنما اشتراه وكيلي وأخبرني أن الثمن مائة فبان خلافه، أو ورد على كتاب منه فَبَان مزوَّراً، أو كتب يقول: راجعت جَرِيدتي فغلطت من ثمن متاع إلى غيره فتسمع دعواه للتَّحْليف؛ لأن بيان هذه الأعذار يحرك ظَنّ صدقه، ومنهم من طرد الخلاف في التَّحْليف.

وسماع البَيِّنة يترتب على التَّحْليف إن قلنا: لا تحليف فالبينة أولى أَلاَّ تُسْمع، وإن قلنا: له التحليف ففي البينة وجهان:

والأظهر: أنها تسمع أيضاً.

وقوله في الكتاب: (فلا تسمع بَيّنته ودعواه) جواب على أنه ليس له التَّحليف، وإلاَّ فَالتَّمْكين من التَّحْليف يتضمَّن سماع البَيّنة والإصغاء إليها، وعلى مقابلته قوله: "فتسمع دعواه على رأي" يشعر بسماع البَيِّنَة وجواز التَّحليف، والله أعلم.

فرع: قوله في المرابحة: بعتك بكذا يقتضي أنْ يكون الرِّبْح من جنس الثَّمَن الأول، ولكن يجوز أن يجعل الرَّبْح من غير جنس الأصل، ولو قال: اشتريت بكذا، أو


(١) قال النووي: أصحهما: له تحليفه وبه قطع المحاملي في "المقنع" وغيره. ينظر الروضة ٣/ ١٩٣.
(٢) قال النووي: أصحهما تُرَدُّ. ينظر الروضة ٣/ ١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>