للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه وجه: أنه لا ينفسخ لإِمْكَان تسليمه بتسليم الكل ولو باع جَزَّة من القَثِّ بشرط القطع ولم يقطعها حتى طالت، وتعذر التَّمييز جرى القولان ومنهم من قطع بعدم الانفساخ هاهنا تشبيهاً لطولها بكبر الثَّمرة والشجرة وسمن الحيوان وهو ضعيف، لأن البائع يجير على تسليم الأشياء المذكورة بزيادتها، وهاهنا لا يجبر على تسليم ما زاد.

والثانية: أنْ يحصل بعد التَّخلْية، ففيه طريقان:

أحدهما، وبه قال المزني: القطع بعدم الانفساخ، كما لو كان المبيع حِنطَة فانثالت عليها حِنْطَة أخرى بعد القبض.

والثاني: أنه على القولين في الحالة الأولى بخلاف مسألة الحِنْطَة؛ لأن هناك قد تم التَّسْليم وانقطعت العَلاَئِق بينهما، وفي الثمار لم تنقطع العلائق؛ لأن البائع يدخل الحَائِط للسَّقْي، وتعهّد النَّخِيْل وغير ذلك، ويمكن بناء الطَّرِيقَيْن على ما ذكره الإمام وصاحب الكتاب، وهو أنَّ حكم المَسْأَلة مأخوذ من الخلاف في الجَوَائِح، إن جعلناها من ضمان المشتري أجبنا بالطريقة الأولى، وإنْ جعلناها من ضمان البائع أجبنا بالثانية، إلاَّ أن قضية هذا البناء أن يكون القطع بعدم الانْفِسَاخ أظهر، وعامة الأصحاب على تَرْجيح طريقة القولين. وإذا قلنا بعدم الانفساخ، فإنْ تصالحا وتوافقا على شيء فذاك، وإلاَّ فالقول قول صاحب اليد في قدر حق الآخر، ومن صاحب اليد في صورة الثمار فيه وجهان بناء على أن الجوائح من ضمان البائع والمشتري.

ووجه ثالث: وهو أنها في يدهما جميعاً، وفي صورة الحِنْطَة صاحب اليد هو المشتري، فالقول قوله في قدر حق البائع، فإن كان المشتري قد أودعه الحِنْطَة بعد القبض ثم حصل الاختلاط، فالقول قول البائع، في قدر حق المشتري، والله أعلم.

وإذا تأملت ما ذكرناه علّمت قوله في الكتاب (انفسخ البيع) بالزاي، وقوله: (للمشتري الخيار) بالواو، وكذا قوله: (سقط خياره). ثم هاهنا مسألة أخرى لا بد من ذكرها، وهي أن يبيع شجرة عليها ثمرة تبقى للبائع، وهي مما تثمر في السّنة مرتين ويغلب عليها التلاحق، فلا يصح البيع إلاَّ بشرط أن يقطع البَائِع ثمرته عند خوف الاخْتِلاط، ويجيء فيه الخلاف المذكور فيما إذا كان البيع الثَّمرة، ثم إذا تَبَايعا بهذا الشَّرْط، ولم يَتَّفِقِ القَطْع حتى حصل الاختلاط، أو كانت الشجرة مما يندر فيها التلاحق أو الاختلاط، فاتفق ذلك فقل المزني قولين في الانْفِسَاخ، وللأصحاب طريقان.

فعن أبي علي ابن خيْرَان والطَّبَرِي: القطع بعدم الانفساخ، وتخطئة المزني فيما نقل؛ لأن الاختلاط وتعذّر التَّسليم لم يوجد في المبيع ما إِذَا كان المَبِيْع الثِّمار، وأثبت الأكثرون القولين، ونقلوهما عن نصه في "الأم".

<<  <  ج: ص:  >  >>