ومنها: إذا ركبته الدُّيُون لم يزل ملك سيده عما في يده، فلو تصرف فيه يبيع أو هِبَة أو إِعتاف بإذن المأذون والغُرَمَاء جاز، ويكون الدَّين في ذمة العبد، وإن أذن العبد دون الغُرَمَاء لم يَجُزْ وإن أذن الغُرَمَاء دون العَبْد فوجهان (١).
وعن أبي حنيفة: أنه إذا ركبته الدُّيُون يزول ملك سَيّده عما في يده، ولا يدخل في ملك الغرماء. ومنها: إقرار المأذون بين المعاملة مقبول على ما سيأتي في "باب الإِقْرَار" ولا فرق بين أن يقرّ بها لأجنبي أو لابنه أو ابنته. وقال أبو حنيفة: لا يقبل إقراره لهما، وهذا الخلاف كالخلاف في إقرار المريض لوارثه. وأما إِقْرَار المأذون لغير دين المُعَاملة، وإقرار غير المأذون فالكلام فيهما منه ما هو مذكور في الإقرار، ومنه ما هو مذكور في السَّرِقَة، وسينتهي الشرح إليهما إن شاء الله تعالى.
قال الرَّافِعِيُّ: من عامل المأذون وهو لا يعرف رِقُّه فتصرفه صحيح، ولا يشترط علمه بحاله، ذكره في "النهاية"، ومن عرف رِقَّة لم يَجُز له أن يعامله حتى يعرف إذن السيد، ولا يكفي قول العبد: أنا مأذون؛ لأن الأصل عدم إذن المُسْتحق، فأشبه ما إذا زعم الراهن إذن المرتهن في بيع المرهون.
وقال أبو حنيفة: يكفي قول العَبْد كما يكفي قول الوكيل.
قال الأصحاب: ليس هما سواء؛ لأن في الوكيل لا حاجة إلى دعوى الوِكَالَة، بل يجوز معاملته بناء على ظاهر الحال، وإن لم يدع شيئاً، وهاهنا بخلافه، وإنما يعرف كونه مأذوناً إمَّا بسماع الإذن من السيد، أو بِبَيِّنَة تقوم عليه، ولو شاع في النَّاس كونه مأذوناً فوجهان:
أصحهما: أنه يكتفى به أيْضاً لأن إقامة البَيِّنَة لكل معامل ممَّا يعسر، ولو عرف كونه مأذوناً، ثم قال: حجر عليه السيد لم يعامل فإن قال السيد: لم أحجر عليه فوجهان:
أصحهما: أنه لا يعامل أيضاً؛ لأنه العاقد والعقد باطل بزعمه.
والثَّاني: وبه قال أبو حنيفة: أنه يجوز معاملته اعْتِمَاداً على قول السَّيد، ولو عامل المأذون من عرف رِقّه ولم يعرف إذنه، ثم بَانَ كونه مأذوناً فهو ملحق عند الأئمة بما إذا باع مال أبيه على ظَنّ أنه حي فإذا هو مَيّت، ويقرب منه قولان حكاهما الحليمي فيما إذا
(١) أصحهما لا يجوز وصحة البغوي لأن الدّين يتعلق بذمة العبد ولم يرض.