للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل واحد منهما مدع ومدعى عليه، ثم إن قلنا بالتَّساقط فكان لا بينة، وإلاَّ توفقنا إلى ظهور الحال، وإنْ لم يكن لواحد منهما بينة فيتحالفان، لأن كل واحد منهما مدّع ومدعى عليه في تمليك السلعة فالبائع مدع زيادة الثمن، ومدعى عليه في تمليك السّلعة بالأقل، والمشتري بالعكس، فإذا لم يكن بَيّنة حلف كل واحد منهما، ولا فَرْقَ في ذلك بين أن تكون السلعة قائمة، أو هالكة.

وقال أبو حنيفة: إنما يتحالفان عند قِيَام السّلْعَة، أما إذَا هَلَكَت، فالقول قول المُشْتَرِي مع يمينه. وعن أحمد روايتان كالمذهبين. وعن مالك مثل ذلك، ورواية ثالثة عن ابن المنذر هي أنه إن كان قبل القَبْض تحالفا، وإن كان بعده فالقول قول المشتري، لنا ما سبق من إطلاق الأخبار، وقياس حالة الهلاك على حالة البقاء، لا فرق أيضاً بين أنْ يقع الاخْتِلاَف بين المُتَبَايعين، أو ورثتهما بعدهما.

وقال أبو حنيفة: إنْ كان المَبِيع مَقْبُوض تحالفا، وإلاَّ فالقَوْل قول ورثة المبتاع.

ولو اختلفا في جنس الثمن، أو بعض صفاته، فهو كالخِلاَف في القدر، وكذا الاختلاف في قدر المَبيْع بأن يقول البائع: بعتك هذا العبد، ويقول المشتري: هذا العبد، وهذا الثوب والاَختلاف في قدر المبيع، والثمن بأن يقول البائع: بِعْتُك هذا العبد بألف، ويقول المشتري: بعتنيه وهذه الجارية بألفين، ولو قال البائع: بعتك هذا العبد، فقال المشتري: بِعْتني هذه الجارية ولم يختلفا في الثمن، نظر إنْ كان الثمن معيناً تحالفا كما لو اختلفا في جنس الثمن، وإنْ كان الثمن في الذمة، فوجهان:

أحدهما: أنهما يتحالفان أيضاً كما لو كان معيناً، وبهذا أجاب ابن الحَدَّاد، واختاره القاضي أبو الطَّيب، وابن الصباغ -رحمهم الله-.

والثَّاني: أنه لا تحالف؛ لأن المبيع مختلف فيه، والثمن ليس بمعيّن حتى يربط به العقد، ويحكى هذا عن الشيخ أبي حامد، واختاره الإمام وصاحب "التتمة"، ونظير المسألة من الصَّدَاق أن يقول الزوج: أصْدَقتك أباك فقالت: بل أمي، وقد أوردها صاحب الكتاب في آخر "كتاب الصَّدَاق" ورأى الأصح التحالف، فإن قلنا: لا تَحَالُف حلف كل واحد منهما على نفي ما يدعيه صاحبه، ولم يجمع أحدهما في اليَمِين بين النفي والإثبات، ولا يتعلق بينهما فَسْخٌ ولا انفساخ، ولو كانت المَسْألة بحالها، وأقام كل واحد منهما بَيِّنة على ما ذكره سلمت الجارية للمشتري، وأما العبد فقد أقر البائع بيعه، وقامت البَيِّنة عليه، أو لم تقم فإن كان في يد المشتري أقر عنده، وإن كان في يد البائع، فوجهان:

أحدهما: أنه يسلم إلى المشتري ويجبر على قبوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>