للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكروا في تفسير السَّلَم عبارات متقاربة:

منها: أنه عقد على موصوف في الذِّمَّة ببدل يعطى عاجلاً.

ومنها: أنه اسلاف عوض حاضر في عوض موصوف في الذِّمَّة.

ومنها: أنه تسليم عَاجِل في عوض لا يجب تعجيله.

واعلم أن السَّلَم بيع على ما مر، وقد سبق القَوْل فيما يعتبر لصِحّة البيع.

والسَّلَم يختّصُ بأمور، عقد الباب الأول لبيانها، وإنما قال: والمتفق عليه منها خمسة، لأن معظم الأئمة جعلوا شرائط السَّلَم سبعاً، وضمّوا إلى الخمس العِلْم بقدر رأس المال، وبيان موضع التسليم، وفيهما اختلاف قول كما سيأتي إن شاء الله تعالى وقد أدرجهما حُجّة الإسلام في أثناء الكلام لكن لم يفردهما بالتَّرْجمة، وقد تعمد أكثر من السَّبع، وحقيقة الأمر في مثل ذلك لا تختلف.

الشَّرْط الأول: تسليم رأس المَالِ في مَجْلس العقد (١)، واحتج لاشتراطه بأن المُسَلّم فيه دَيْن في الذِّمة، فلو أخَّر تسليم رأس المال عن المجلس لكان ذلك في معنى بيع الكَالِي بالكَالِي (٢)؛ لأن تأخير التسليم نازل منزِلة الدَّيْنيّة في الصَّرف وغيره.

وقوله في الكتاب: (جبراً للغَرر في الجانب الآخر) أراد به أن الغَرَر في المُسَلم فيه احتمل للحاجة، فجبر ذلك بتأكيد العِوَض الثاني بالتعجيل كيلا يعظم الغَرَر في الطرفين. إذا تقرر ذلك فلو تفرقا قبل قبض رأس المال بطل العقد، وبه قال أبو حنيفة وأحمد.

وقال مالك: إن تأخر التَّسليم مدة يسيرة كاليوم واليومين لم يضر، وإن تأخَّر مدة طويلة بطل العقد، ولو تَفَرَّقا قبل تَسْليم بعضه بطل العَقْد فيما لم يقبض، وسقط بقسطه من المُسَلّم فيه، والحكم في المقبوض كما لو اشترى شَيْئَين فتلف أحدهما قبل القبض (٣).

ويجوز أن يجعل رأس المال مَنْفَعة عبد أو دار مدة معلومة وتسليمها بِتَسْليم العَيْن. ولا يشترط تَعْيين رأس المال عند العقد.

ولو قال: أسلمت إليك ديناراً في ذمتي في كذا ثم عَيّن وسَلَّم في المجلس جاز،


(١) المراد ما دام الخيار باقياً حتى لو تخايرا أي تقابضا أبطل السلم كنظيره من الربا كما هو منقول عن القفال في شرح التلخيص.
(٢) كالأ الدين كلئاً: تأخر فهو كالئ. انظر المعجم الوسيط ٢/ ٨٧٩.
(٣) يؤخذ من هذا ثبوت الخيار وبه صرح في الأنوار وجزم السبكي بخلافه. مغني المحتاج ٢/ ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>