للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُقْرِضَكَ غَيْرَهُ صَحَّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الوَعْدُ، بِخَلاَفِ البَيْعِ فَإنَّهُ يَفْسَدُ بِمِثْلِهِ إِذْ يَصِيرُ ذَلِكَ القَرْضُ جُزْءاً مِنَ العِوَض المَقْصُودِ.

قال الرَّافِعِيُّ: عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أنَّه نَهَى عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً".

وروي أنه قال: "كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِباً" (١).

فلا يجوز أن يقرضه بشرط أن يرد الصَّحيح عن المكسر أو الجيد عن الرديء، ولو شرط زيادة في القدر فكذلك إن كان المال ربوياً، وإلاَّ فوجهان:

أحدهما: يجوز لما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ أجَهِّزَ جَيْشاً فَنَفَذَتِ الإِبِلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آحُذَ بَعِيراً بِبَعِيرَيْنِ إِلَى أَجَلٍ".

وأصحهما: المنع لما سبق، وهذا الحديث محمول على السَّلَم، أَلاَ ترى أنه قال: إلى أجل، والقرض لا يقبل الأجل. ولو شرط رده ببلد آخر لم يجز لما فيه من دفع خطر الطريق. وإذا جرى القرض بشيء من هذه الشروط كان فاسداً للخبر، وكما لو باع بشرط فاسد. وفي "البيان" نقل وجه أنه لا يفيد، لأنه عقد مُسَامحة وإرفاق، ولو أقرض من غير شرط ورد المستقرض ببلد آخر وأجود أو أكثر جاز.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خِيَارُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً".

ولا فرق بين الربويات وغيرها، ولا فرق بين أن يكون الرجل مشهوراً برد الزيادة أو لا يكون. وفيه وجه: أنه لا يجوز رد الزيادة في الربويات؛ ووجه: أنه لا يجوز إقراض المشهور برد الزيادة تنزيلاً للمعتاد منزلة المشروطة، ثم في الفصل صور:

إحداها: لو اقرضه بشرط أن يرد عليه أرداء أو يرد المكسر عن الصحيح، لَغَا الشرط، وهل يفسد العقد؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنه على خلاف قضية العقد كشرط الزيادة.

وأصحهما: لا، لأن المنهي عنه جَرَّ المقرض النَّفع إلى نفسه، وهاهنا لا نفع له في الشرط، وإنما النفع للمستقرض، وكأنه زاد في المسامحة ووعده وعداً حسناً، وإيراد بعضهم يشعر بالخلاف في صحة الشرط، ولو شرط تأخير القضاء وضرب له أجلاً، نظر إن لم يكن للمقرض فيه غرض، فهو كشرط ردّ المكسر عن الصَّحيح، وإنْ كان له فيه


(١) قال الحافظ في التلخيص: قال عمر بن بدر في المغني: لم يصح فيه وأما إمام الحرمين فقال: إنه صح، وتبعه الغزالي، وقد رواه الحرث بن أبي أسامة في مسنده من حديث علي باللفظ الأول، وفي إسناده سوار بن مصعب، وهو متروك، ورواه البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفاً بلفظ "كل قرض جر منفعه فهو وجه من وجوه الربا".

<<  <  ج: ص:  >  >>