قال الرَّافِعِيُّ: لا شك أن المستقرض يتملك ما استقرضه، ولكن فيما يملك به قولان متفرعان من كلام الشافعي -رضي الله عنهما-.
أصحهما: أنه يملك بالقبض؛ لأنه إذا قبضه ملك التَّصرف فيه من جميع الوجوه؛ ولو لم يملكه لما ملك التَّصرف فيه؛ ولأن الملك في الهِبَة يحصل بالقبض، ففي القرض أولى؛ لأنَّ للعوض مدخلاً فيه.
والثاني: أنه يملك بالتَّصرف؛ لأنه ليس بتبرع محض، إذ يجب فيه البَدَل، وليس على حقائق المُعَاوَضَات كما سبق، فوجب أن يكون تملكه بعد استقرار بدله.
التفريع: إن قلنا: يملك بالقبض فهل للمقرض أنْ يرجع فيه ما دام باقياً في يد المستقرض بحاله؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا صيانة لملكه، وله أن يؤدي حقه من موضع آخر، وهذا ما ذكره في "التهذيب".
وأظهرهما عند الأكثرين: أن له ذلك؛ لأنه يتمكن من تغريمه بدل حَقه عند الفوات، فلأن يتمكن من مطالبته بعينه كان أولى، ولا يبعد أن يرجع فيما ملكه غيره، كما يرجع الواهب في الهبة.
وقوله في الكتاب: "وله المطالبة ببدله للخبر" ليس مسألة أخرى، بل المعنى أن له المطالبة ببدل ملكه عند فواته جبراً لحقه، فأولى أن يكون له المطالبة بما كان عين ملكه، وكثيراً ما يقرأون قوله للجبر للخبر، وظني القريب من اليقين أنه خطأ؛ لأنه ليس في كتب المصنف، ولا في كتب غيره ذكر خبر يستدل به على أن للمقرض المطالبة ببدل القرض مع بقاء عينه.
وأما للجبر فهو مناسب للمعنى المذكور، وهو الَّذِي أورده الإمام، والمصنف في "الوسيط" وغيره. وعن مالك أنه ليس للمقرِض الرجوع فيما أقرضه حتى يقضي المستقرض وطره منه، أو يمضي مدة زمان يسع لذلك.
ولو رد المستقرض عين ما أخذه فعلى المقرض القبول لا محالة.
وإن قلنا: إنه يملك بالتصرف فمعناه أنه إذا تصرف تبين لنا ثبوت المِلْك قبله، ثم في ذلك التَّصرف وجوه:
أظهرها: أنه كل تصرف يزيل الملك.
والثاني: كل تصرف يتعلق بالرقبة.
والثالث: كل تصرف يستدعي الملك، فعلى الوجوه يكفي البيع والهبة والإعتاق