إحداهما: لو أودع مالاً عند إنسان ثم رَهَنَهُ منه، فظاهر نصه أنه لا بد من إِذْن جديد في القبض. ولو وهبه منه فظاهر نَصِّه أنه يحصل القبض من غير إذنْ جديد، وللأصحاب فيهما طريقان مشهوران، وثالث غريب.
أظهر المشهورين: أن فيهما قولين:
أحدهما: أنه لا حاجة في واحد من العقدين إلى الإذن في القبض، بل إنشاؤهما مع الَّذِي في يده المال، يتضمَّن الإِذْن في القبض.
وأصحهما: أنه لا بد منه وبه قال أبو إسحاق ولأنَّ اليد الثابتة كانت غير جهة الرَّهْن، ولم يجر تعرض للقبض بحكم الرَّهْن.
والثاني: تقرير النَّصين.
والفرق: أن الهِبَةَ عقد تمليك ومقصوده الانتفاع، والانتفاع لا يتم إِلاَّ بالقبض والرهن توثيق، وأنه حاصل دون القبض، ولهذا لو شرط في الرَّهْن كونه في يد ثالث جاز، ولو شرط مثله في الهبة فسد، وكانت الهبة ممن المال في يده رضا بالقبض.
والثالث: الغريب الذي حكاه القاضي ابن كَجٍّ عن ابن خَيْرَان القطع باعتبار الإذن الجديد فيهما، ومحاولة تأويل نَصِّه في الهِبَة، وسواء شرط إذن جديد في القبض أو لم يشترط، فلا يلزم العقد ما لم يَمْضِ زمان يتأتى فيه القبض، لكن إذا شرط الإذن فهذا الزمان يعتبر من وقت الإِذْن، فإن لم يشترطه فهو معتبر من وقت العقد، وقال حرملة: لا حاجة إلى مُضِيِّ هذا الزمان ويلزم العقد بنفسه، والمذهب الأول (١)؛ لأنا نجعل دوام اليد كابتداء القَبْضِ، فلا أقل من زمان يتصور فيه ابتداء القبض، فعلى هذا لو كان المَرْهون منقولاً غائباً، اعتبر مضى زمان يمكن المَصِير إليه ونقله، وهل يشترط مع ذلك نفس المصير إليه ومشاهدته؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم، ليتعين حصولُه وثبوته، وهذا ظاهر النص.
وأصحهما: لا، ويكتفي بأن الأصل بقاؤه.
(١) قال النووي: قوله: قال حرملة معناه: قال حرملة مذهباً لنفسه، لا نقلاً عن الشَّافعي -رضي الله عنه-، كذا صرح به الشيخ أبو حامد وآخرون، وإنما نبهت على هذا، لئلا يغتر بعبارة صاحب "المهذب" فإنها صريحة، أو كالصريحة، في أن حرملة نقله عن الشَّافعي -رضي الله عنه-، فحصل أن المسألة ذات وجهين، لا قولين. ينظر الروضة ٣/ ٣٠٨.