المزني، واحتجَّ الأصحاب: بأن الدوام أقوى من الابتداء، ودوام الرَّهْن لا يمنع ابتداء الضَّمَان، فإن المرتهن إذا تعدى في المرهون يصير ضامناً، ويبقى الرَّهْن بحاله، فلأن لا يرفع ابتداء الرَّهْن دوام الضِّمَان كان أَوْلَى.
إذا تقرر ذلك فلو أن المرتهن أراد البراءة عن الضمان، فليرده إلَى الرَّاهن ثم له الاسترداد بحكم الرَّهْن، ولو امتنع الراهن من قبضه فله أن يجبره عليه.
قال الإمام: وفي كلام الشيخ أبي علي ما يدل على أن لِلرَّاهن أن يجبره على رده، ثم يرده هو عليه، ولكن القياس، وبه قال القاضي أنه ليس له ذلك، إذ لا غرض له تَبْرئة ذمة المرتهن، ولو أودع الغاصب المال المغصوب فوجهان:
أحدهما: أنه لا يبرأ من الضَّمَان كما في الرَّهْن منه.
وأصحهما: وهو المذكور في الكتاب أنه يبرأ؛ لأن مقصود الإِيْدَاع الائتمان، والضمان والأمانة لا يجتمعان، ولهذا لو تعدى المودع في الوديعة اَرتفعت الوديعة ويخالف الرَّهْن، لأن الغرض منه التوثيق، إلاَّ أن الأَمَانة من مقتضاه وهو مع الضَّمَان قد يجتمعان على ما بينا، ولو أجَّر العَيْن المَغْصُوبة منه فوجهان مرتبان على الإيداع والإجارة أوْلى بأن لا تفيد البراءة وهو الظاهر، لأنه ليس الغرض منها الائتمان بخلاف الوديعة.
ولو وَكّله ببيع العبد المَغْصُوب أو إعتاقه، فوجهان مرتبان على الإجارة وأولى بعدم إفادة البراءة، لأن في عقد الإِجَارة تسليطاً على القَبْض والإِمْسَاك والتوكيل بخلافه، ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب (وجهان) في مسألتي الإجارةَ والتوكيل بالواو للطريقة القاطعة بالمنع المتولّدة من ترتيب الخلاف على الخلاف، إليها إشار الأكثرون، وفي معنى الاجَارة والتَّوْكيل ما إذا قارضه على المال المغصوب أو كانت جارية فزوجها منه، ولو صرح بإبراء الغَاصِب عن ضَمَان الغَصْب والمال بَاقٍ في يده، ففي براءته وَصَيْرُورَة يده يد أمانة وجهان مبنيان على القولين في الإبراء عما لم يجب ووجد سبب وجوبه؛ لأن الغَصْب سبب وجوب القيمة عند التلف.
والظَّاهر: عدم حصول البراءة (١) وربما استشهد من قال بعدم البَرَاءة في الصُّوْرَة السابقة بهذه الصورة، فقال: إنشاء عقود الأمانات ليس بآكد من التَّصْريح بالإبراء، فإذا لم تحصل البراءة به فتلك العقود أولى. وأما قوله:(وكذلك في بَرَاءَة المُسْتَعِير) فصورته
(١) قطع صاحب "الحاوي" بأنه يبرأ، وصححه البغوي، قال صاحبا "الشامل" و"المهذب": هو ظاهر النص. ينظر الروضة ٣/ ٣١٠.