ولا يخفى عليك بَعْد مَعْرفة هذه الصور أن قوله في الكتاب:(ما لا يزيل كالتزويج) ليس برجوع غير معمول به على الإطلاق، وأن قوله:(وَإِجَارَته رجوع) بجواز إعلامه بالواو، والله تعالى أعلم.
قال الرَّافِعِيُّ: النوع الثاني: ما يعرض للمتعاقدين من الحالات، وفيه ثلاثة صور: إحداها: نص في "المختصر" أن الرَّهْن لا يبطل بموت المرتهن قبل القبض، ونقل نص أنه يبطل بموت الراهن، وفيهما طرق:
أظهرهما: أن في موتهما قولين نقلاً وتخريجاً:
أحدهما: أنه يبطل بموت كل واحد منهما؛ لأنه عقد جائز، والعقود الجائزة تَرْتَفِعُ بموت المتعاقدين كالوِكالَة.
وأصحهما: أنه لا يبطل؛ لأن مصيره إلى اللُّزُوم فلا يتأثر بموتهما كالبيع في زمان الخِيَار.
والثاني: تَقْرِير النَّصّين، وبه قال أبو إسحاق وفرقوا بأن المرهون بعد موت الرَّاهن ملك الورثة، ومتعلق حق الغُرَمَاء إنْ كان له غريم آخر، وفي اسْتِيفَاء الرَّهْن إضرار بهم، وفي صورة موت المرتهن يبقى الدين كما كان وإنما ينتقل الاستحقاق فيه إلى الورثة، وهم مُحْتَاجون إلى الوثيقة حاجة مورثهم.
والثالث: القطع بعدم البطلان، سواء مات الرَّاهن أو المرتهن وبه قال القاضي أبو حامد، ومن قال بهذا أول ما نقل في موت الراهن، وإذا أبقينا الرَّهْن قام ورثة الرَّاهن مقامه في الإِقباض، وورثة المرتهن مقامه في القبض، ووراء هذا في المَسْألة شيئان:
أحدهما: اختلف المُثْبِتون للقولين في موضعهما، فقال ابْن أبي هريرة: موضع القولين رَهْنُ التبرع. وأما الرَّهْن المَشْرُوط في البيع فإنه لا يبطل بالموت قطعاً لتأكده بالشرط واقترانه بالبيع اللاَّزِم، فلا يبعد أن يكتسب منه صفة اللُّزوم.
وقال أبو الطيب بن سلمة: القولان جاريان في النوعين وهو المشهور، وسواء قلنا بالبطلان، أو قلنا: إنه لا يبطل، ولم يتحقق الوفاء بالرهن المشروط، فيثبت الخيار في البيع.