وإذا حرم التَّخْلِيل كان الخُلّ الحاصل نجساً؛ لأن الفعل الحرام لا يستباح به الغير المحظور كاصطياد المحرم، وأيضاً فإن المطروح في الخمر ينجس بملاقاتها، وتستمر نجاسته، إذْ لا مزيل لها ولا ضرورة إِلَى الحكم بانقلابه طاهراً بخلاف آخر الدَّنِّ (١)، ولا فرق في هذه المَسْأَلة بين المُحْتَرمة وغيرها.
وحكى الإمام عن بعض الأصحاب جواز تَخْلِيل المحترمة؛ لأنها غير مستحقّة للإراقة، والمذهب الأول وفي حديث أبي طلحة -رضي الله عنه- كانت تلك الخمور محترمة؛ لأنها كانت مُبَاحَة مُتَّخذة قبل وُرُودِ التَّحْريم.
وهل يفرق بين الطَّرْح بالقصد وبين أن يتفق بغير قصد كطرح ريح؟
فيه اختلاف للأصحاب مبنى على أنّ المعنى تحريم التَّخْليل أو نَجَاسة المطروح فيه. والأظهر أن لا فرق، هذا إذا كان الطرح في حال التَّخْمِير، أما إذا طرح في العَصِير بصلاً أو مِلْحاً واستعجل به الحُمُوضة بعد الاشْتِداد فوجهان:
أحدهما: أنه إذا تخلّل كان طاهراً؛ لأن ما لاقاه إنَّما لاقاه قبل التّخْمِير فطهر بطهارته كأجزاء الدَّنِّ.
والثاني: لا؛ لأن المَطْرُوح فيه ينجس عند التَّخْمِير، وتستمر نجاسته بخلاف أجزاء الدَّن للضرورة. قال في "التهذيب": وهذا أصح، ولو طرح العصير على الخَلّ وكان العصير غالباً يَنْغَمِرُ الخل فيه عند الاشتداد، فهل يطهر إذا انقلب خلاًّ؟ فيه هذان الوجهان، ولو كان الغالب الخَلّ، وكان يمنع العَصِيْر من الاشْتِدَاد فلا بأس.
المسألة الثانية: إمساك الخَمْر المحترمة إلى أنْ تصير خلاًّ جائز، وَالَّتِي لا تحترم تجب إِرَاقَتُها، لكن لو لم يرقها حتى تخلَّلت فهي طاهرة أيضاً؛ لأن النَّجَاسة والتحريم إنما ثبتا للشِّدة وقد زالت، هذا ما به الفتوى، وحكى الإمام -رضي الله عنه- عن بعض الخلافيين: أنه لا يجوز إِمْساك الخمرة المحترمة، بل يعرض عن العصير إلى أنْ يصير خلاًّ، فإن اتفقت رؤيته إياه وهو خمر أرقناه، وذكر الحَنَّاطي وجهاً: أنه لو أمسك التي لا تحترم حتى تَخَلَّلت لم تحل ولم تطهر؛ لأن إمساكها حرام فلا يستفاد به نعمة، ومتى عادت الطَّهَارة بالتَّخَلُّل فتطهر أجزاء الظّرف أيضاً للضرورة، وفي "البيان" أن الدَّارِكي قال: إن كان الظَّرْف بحيث لا يتشرب شيئاً من الخمر كالقَوَارِيرِ طهر، وإن كان مِمَّا يتشرب لم يطهر، والمذهب الأول، وكما يطهر ما يلاقي الخَلَ بعد التخليل يظهر ما