للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصورة الثانية: إذا جنى العبد المرهون قبل القبض، وتعلّق الأَرْش بِرَقَبَتِه، وقلنا: رهن الجاني ابتداءاً فاسد.

فعن الشيخ أبي علي أن في بطلان الرَّهْن وجهين إلحاقاً للجناية بِتَخْمِير العَصِير، والجامع عروض الحالة المانعة من ابتداء الرَّهْن قبل استحكام العقد، وهذه الصورة أولى بأنه لا يبطل الرَّهْن فيها لدوام المِلْك في الجاني بخلاف الخمر.

الثالثة: إذا أبق العبد المرهون قبل القبض.

قال الإمام: يلزم على مساق ما سبق تخريج وجهين فيه لانتهاء المرهون إلى حالة يمنع ابتداء الرَّهْن فيها.

وقوله في الكتاب (وجنايته وجهان) يجوز إعلامه بالواو، لأن الخلاف في صورة الجناية يتفرع على منع رَهْن الجاني. أما إذا جَوَّزناه لا يأتي هذا الخلاف بحال.

وقوله: (عاد مرهوناً) مُعَلَّم بالواو لما قدمناه.

قال الغزالي: وَالتَّخْلِيلُ بِإلْقَاءِ المِلْحِ فِيهِ (ح) حَرَامٌ لِحَدِيث أَبِي طَلْحَةَ، وَبِالإمْسَاكِ غَيْر مُحَرَّمٍ، وَكَذَا بِالنَّقْلِ مِنْ ظِلٍّ إلَى شَمْسٍ عَلَى الأَصَحِّ.

قال الرَّافِعِيُّ: أشار في "المُخْتَصَر" إلى مَنْعِ التَّخْلِيل في هذا الموضع، وَتَأَسَّى به أكثر الأصحاب فذكروا مسائله هاهنا، وأول ما ينبغي أنْ يعرف أن الخمر قسمان:

خمر محترمة: وهي التي اتخذ عصيرها لتصير خَلاًّ، وإنما كانت محترمة؛ لأن اتخاذ الخَلّ جائز بالإجماع، ولن ينقلب العَصِيرُ إلى الحُمُوضة إلاَّ بتوسط الشدة، فلو لم تحترم وَأُرِيْقَت في تلك الحَالة لتعذُّر إيجاد الخَلِّ.

وخمرة غير محترمة، وهي الَّتي اتّخذ عصيرها لغرض الخَمْرية، وفي كل واحد من القسمين ثلاث مسائل:

إحداها: تَخْلِيل الخمر بطرح العَصِير أو الخَلّ أو الخبز الحَارّ أو غيرها فيها حرام، والخَلّ الحاصل نجس، وبه قال أحمد خلافاً لأبي حنيفة، وعن مالك روايتان:

إحداهما: كمذهبنا. والأخرى: أنه يكره ولكن لو فعل جاز.

لنا ما روي عن أنس -رضي الله عنه- قال: "سُئِلَ رَسُولُ -صلى الله عليه وسلم- أَنَتَّخِذُ الْخَمْرَ خَلاًّ؟ قَالَ: لاَ" (١)، وروى أَنَّ أبا طلحة -رضي الله عنه- "سَأَلَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: عِنْدِي خُمُورٌ لأيْتَامٍ، فَقَالَ: أَرِقْهَا، فَقَالَ: أَفَأُخَلِّلُهَا؟ قَالَ: لاَ" (٢).


(١) أخرجه مسلم (١٩٨٣).
(٢) أخرجه أبو داود (٣٦٧٥) والترمذي (١٢٩٤) من حديث أنس أن أبا طلحة سأل.

<<  <  ج: ص:  >  >>