قال الرَّافِعِيُّ: صدر الباب يشير إلى مقدمة مرشدة إلى ضبط الأَطْرَاف الَّتي يتضمنها وإلى وجهة اقتضاء الدين لها، وهي أَنَّ الرَّهْن وثيقة لدين المرتهن في غير الرَّهْن أو بدله، وإنَّمَا تحصل الوثيقة بالحَجْر عن الراهن، وقطع سلطنة كانت له ليتحرك للأداء، وتجدد سلطة المرتهن لم يكن ليتوصّل بها إلى الاسْتِيْفَاء، ثم هذه الوثيقة ليست دائمة بل لها غاية ينتهي عندها، وكلام الباب فيما ينقطع من سلطنة الراهن، وفيما يحدث من سلطنة المرتهن، وفي غاية الرَّهْن فهي ثلاثة أطراف، والذي يشتمل عليه الفصل من الطرف الأول أن الراهن يمنع من كل تصرف يزيل الملك، وتنقل لمال الغير كالبيع والهِبَة ونحوهما؛ لأنا لو صَحَّحناها لفاتت الوثيقة، ومنع مِمّا يزاحم المُرْتَهن في مقصود الرَّهْن، وهو الرَّهْن من غيره ومن كل تصرف ينقص المرهون، ويقلل الرغبة فيه كالتزويج، فإنَّ الرغبة في الجَارِية الخَلِيّة فوق الرغبة في المُزَوَّجَة (١)، وعند أبي حنيفة: يجوز التَّزْويج.
وأما الإجارة فينظر فإنْ كان الدَّين حالاً، أو كان مؤجلاً لكنه يحل قبل انقضاء مدة الإجارة، فعن بعض الأصحاب فيما رواه ابن القَطَّان بناء صِحَّة الإجارة على القولين في جواز بيع المستأجر، إنْ جوزناه صحَّت الإجارة، وإلاَّ فالمشهور بطلانها قطعاً.
أما إذا لم نجوز بيع المُسْتَأْجر فظاهر.
وأما إذا جوزناه؛ فلأن الإجارة تبقى وإنْ صح البيع، وذلك مما يقلّل الرغبة، ثم القائلون بالمَنْع لم يفصل الجمهور منهم.
وقال في "التتمة": يبطل في الأَجَل، وفي الزائد على الأجل قَوْلاَ تَفْرِيق الصَّفْقة، وإنْ كان الأجل يحل مع انقضاء مدة الإجارة أو بعدها صحَّت الإجارة، ثم لو اتفق حُلُول الدَّيْن قبل انقضائها بموت الراهن فوجهان:
أحدهما: أن تنفسخ الإجارة رِعَايَةً لحق المرتهن فإنه أسبق ويُضَارِب المستأجر بالأُجْرة المدفوعة مع الغرماء.
والثاني: وهو اختيار أبي الحسين: أن المرتهن يصبر إلى انقضاء مدة الإجارة، كما يصبر الغرماء إلى انقضاء العدة لتستوفى المعتدة حق السُّكْنَى جمعاً بين الحَقَّين، وعلى هذا يُضَارب المرتهن بدينه مع الغُرَمَاء في الحال.
(١) قال النووي: فلو خالف فزوج العبد أو الأمة المرهونين فالنكاح باطل، صرح به القاضي أبو الطيب؛ لأنه ممنوع منه وقياساً على البيع. ينظر الروضة ٣/ ٣١٦.