المرهونة بحال، وهل تفسير أم ولد؟ فيه الأقوال المذكورة في الإعتاق، ثم منهم من جعل الخِلاَف بالترتيب، واختلفوا في كيفيته، فقال أبو إسحاق والأكثرون: الاستيلاد أولى بالنفوذ؛ لأنه فعل والأفعال أشد وأقوى نفوذاً، ولهذا ينفذ استيلاد المجنون والمحجور عليه ولا ينفذ إعتاقهما، وينفذ اسْتِيْلاَد المريض من رأس المال وإعتاقه من الثّلث.
وقال آخرون: الاستيلاد أولى بعدم النفوذ؛ لأنه لا يفيد حقيقة العِتْق، وإنما يثبت به حق العتق، وحق العِتْق دون حقيقة العتق المنجزة، فكان العتق أولى بالنفوذ، ومنهم من امتنع من الترتيب وسوى بينهما لتَّعَارض المعنيين، وبه قال الشيخ أبو حامد، ويخرج من هذه الاختلافات ثلاثة طرق كما أفصح بها صاحب "التتمة":
أظهرها: طرد الخلاف.
والثاني: القطع بنفوذ الاسْتِيْلاَد.
والثَّالث: القطع بعدمه.
التفريع: إن قلنا: ينفذ الاستيلاد فعليه القِيْمَة، والحكم على ما مَرَّ في العِتْق، وإنْ قلنا: لا ينفذ فالرهن بحاله، فلو حل الحق وهي حامل بعد لم يجز بيعها؛ لأنها حامل بِحُرٍّ، وفيه وجه آخر، وقد ذكرنا ذلك في البيع، فإذا ولدت فلا تُبَاع حتى تسقى ولدها اللَّبأ (١)، وإذا سقته ولم يوجد مرضعةً فلا تباع حتى توجد مرضعة خوفاً من أنْ يسافر بها المشتري لو بيعت فيهلك الولد، وإذا وجدت مرضعة فتباع الجارية، ولا يبالي بِالتَّفريق بين الأم والولد للضرورة، فإن الولد حُرٌّ وبيعه ممتنع.
ثم إن كان الدَّيْن يستغرق قيمتها بيع كلها، وإلاَّ بيع منها بقدر الدّين، وإن أفضى التَّشْقِيص إلى نقصان رعاية لحق الاسْتِيْلاَد، ويخالف ما إذا اتفق مثل ذلك في العبد القِنّ، بأن كانت قيمته مائة، وهو مرهون بخمسين، وكان لا يشتري نصفه إلاَّ بأربعين، ويشتري الكل بمائة حيث يباع الكل دفعاً للضَّرر عن المالك، وإنْ لم يوجد مَنْ يشتري البعض بيع الكل للضَّرورة.
وإذا بيع منها بقدر الدين انفك الرَّهْن عن الباقي واستقرَّ الاستيلاد، وتكون النَّفَقَة على المشتري والمستولد بحسب النَّصِيبين، والكسب بينهما كذلك، ومهما عادت إلى ملكه بعد ما بيعت في الدين فهل يحكم بنفوذ الاستيلاد؟ فيه طريقان:
(١) واللبأ: مهموز وزان عبث أوّل اللبن عند الولادة، وقال أبو زيد: وأكثر ما يكون ثلاث حلبات وأقله حلبة، المصباح المنير (١/ ٧٥٢).