قال الإمام: أقيسهما الوجوب؛ لأن طريق وجوب الضَّمَان لا يختلف بالرِّقِّ والحُرِّية. وأشهرهما: المنع؛ لأن الوطء سبب ضعيف، وإنما أوجبنا الضَّمَان في الأمة؛ لأن الوطء استيلاء عليها والعُلُوق من آثاره، فأدمنا به اليد والاستيلاء كما إذا نفر المحرم صيداً فبقى نِفَارُهُ إلى التغير والهلاك، والحُرَّة لا تدخل تحت اليد والاسْتيلاء.
ولو أولد امرأة بالزنا وهي مكرهة فماتت بالولادة، فقد روى الشيخ أبو حامد في وجوب الضمان قولين حُرَّة كانت أو أَمَةً.
أحدهما: يجب لما سبق.
وأصحهما: المنع؛ لأن الولادة في الزِّنَا لا تَنْضَاف إلى وطئه؛ لأن الشرع قطع سبب الولد عنه، ولا خلاف في عدم وجوب الضَّمَان عند موت الزَّوْجة من الولادة لتولُّد عن مستحق، وحيث أوجبنا الضَّمَان في الحُرَّة فهو الدِّيَة مضروبة على العاقلة، وحيث أوجبنا القيمة فالاعتبار بأية قيمة فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: بأقصى القيم من يوم الإِحْبَال إلى الموت تنزيلاً له منزلة الاسْتِيْلاَد والغَصْب.
وثانيها: وبه قال ابن أبي هريرة: بقيمة يوم الموت؛ لأن التَّلَف حينئذٍ متحقق.
وأصحهما: بقيمة يوم الإِحْبَال؛ لأنه سبب التَّلَف فصار كما لو جَرَحَ عبداً قيمته مائة وبقي مثخناً حتى مات وقيمته عشرة، فإنَّ الواجب مائة، ويقال: إن ابن أبي هريرة ألزم هذه المسألة فمنعها وطرد قياسه ولا يخفى بعده. ولو لم تَمُت الجارية ونقصت قيمتها بالولادة فعليه الأَرْش ليكون رهناً معها، وله أن يصرف القيمة أو الأَرْش إلى قضاء الحق ولا يرهن.
قال الرَّافِعِيُّ: افتتح الكلام في نوع آخر من تصرفات الراهن، وهو ما سوى الوَطْء من الانتفاعات، وجملته أن المنافع الَّتِي لا يضر استيفاؤها بالمرتهن لا تعطل من المرهون، بل هي مُسْتَوْفاة لِلرَّاهن خلافاً لأبي حنيفة حيث قال: هي معطلة، وروى في "الشامل" عن مالك مثل مذهبنا، وعن أحمد: اختلاف رواية.
لنا: ما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "الظَّهْرُ يُرْكَبُ إِذَا كَانَ مِرْهُوناً، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُهُ