قوله:"من راهنه" أي: من ضمان راهنه، وفي معناه سقى الأَشْجَار والكُرُوم ومؤنة الجُذَاذ، وتَجْفيف الثمار، وأُجْرة الإصْطَبل، والبيت الذي يحفظ فيه المتاع المرهون، إذا لم يتبرع به المُرْتَهن أو العَدْل، وأجرة من يرد العبد من الإباق وما أشبه ذلك، ثم حكى الإمام والمُتَولي وجهين في أنَّ المؤنات، هل يجبر الرَّاهِن عليها حتَّى يقوم بها من خالص ماله؟
أصحهما: الإِجْبَار استبقاء لوثيقة المرتهن.
= الرَّهْن وقال "أبو بكر الرازي": الغرم الدين فيكون تفسيراً لقوله لا يغلق الرَّهْن -أي لا يملك بالشرط عند محل الأجل ولصاحبه إذا جاء زيادته وعليه دينه الذي هو مرهون به وفي التمهيد قال أبو عبيد لا يجوز في كلام العرب أن يقال الرَّهْن إذا ضاع قد غلق إنما يقال قد غلق إذا استحقه المرتهن فذهب به، وهذا كان من فعل الجاهلية فأبطله النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لا يغلق الرَّهْن" وقال "مالك": تفسيره فيما نرى أن يرهن شيئاً فيه فضل فيقول للمرتهن: إن جئتنا بحقك إلى كذا وإلا فالرهن لك بما فيه فهذا لا يحل وهو الذي نهى عنه وبنحوه هذا فسره الزهري، والنخعي، والثوري، وطاوس، وشريح -وفي القواعد "لابن رشد" أن "أبا حنيفة" وأصحابه تأولوا غنمه بما فضل منه على الدين وغرمه بما نقص ومعنى قوله وعليه غرمه عند "مالك" ومن قال بقوله أي نفقته وحكى صاحب التمهيد عن "أبي حنيفة" و"مالك" وأصحابهما في تأويل الحديث كما حكاه "ابن رشد" فالحاصل أن "الشافعي" احتج بمرسل ابن المسيب وأوله بتأويل أنكر عليه وأقل الأحوال أنه يجعل غير ما ذكر مما تقدم من التأويلات، وترك القول بالتضمين مع أنه منصوص عليه في عدة أحاديث قد تأيد بعضها وتأيدت أيضاً بأقوال السلف من الصحابة والتابعين. على أن مذهب "ابن المسيب" بخلاف ما تأول الشافعي حديثه به قال صاحب التمهيد: قال شريح والشعبي: وغير واحد من الكوفيين يذهب الرَّهْن بما فيه كانت قيمته مثل الدين أو أكثر منه أو أقل ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء. وهو قول الفقهاء السبعة المدنين إذا هلك وعميت قيمته ولم تقم بينة. فإن قامت بينة ترادا الفضل وهكذا قال الليت: وقال بلغني ذلك عن علي بن أبي طالب انتهى كلامه -وابن المسيب من الفقهاء السبعة بلا خلاف- وفي مصنف عبد الرزاق أنا معمر عن الحسن والزهري، وقتادة، وابن طاوس عن أبيه قالوا من ارتهن حيواناً فهلك فهو بما فيه -وقال أبو بكر الرازى: اتفقت الصحابة على أنه مضمون وإن اخلفوا في كيفية الضمان فالقول بأنه أمانة خلاف لاجماعهم -وروى "الطحاوي"- بسنده عن أبي الزناد قال كان من أدركت من فقهائنا الدين ينتهي إلى قولهم منهم "ابن المسيب" وعروة، والقاسم بن محمد، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وخارجة، وعبيد الله بن عبد الله في مشيخة من نظرائهم أهل فقه وصلاح وفضل فذكر ما جمع من أقاويلهم في كتابه أنهم قالوا الرَّهْن بما فيه هلك وعميت قيمته ويرفع ذلك منهم الثقة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- "قال الطحاوي": فهؤلاء أئمة المدينة وفقهاؤها يقولون الرَّهْن يهلك بما فيه ويرفعه الثقة منهم إليه -صلى الله عليه وسلم- انتهى كلامه وظهر من هذا أن "ابن المسيب" يقول: بضمان الرَّهْن على التفصيل المتقدم ومذهب "الشَّافعي" أن من روى كان أعلم بتأويله. "البيهقي" ٦/ ٤٢.