للآخر، فعلى ما ذكرناه في الصورة الثانية، والمسألة ظاهرة من جهة المعنى، لكن في فهمها وتصورها تعقيد.
حكى الصَّيْدَلاَنِي أن ابن سُرَيْجٍ قال: ما انتهيت إليها إلاَّ احتجت إلى الفكرة في تصورها، حتى أثبتها على حاشية الكتاب.
فرع: منصوص عليه في "المختصر": ادعى رجلان على واحد، فقال كل واحد منهما: رهنتني عبدك هذا وأقبضتنيه نظر إن كذبهما جميعاً، فالقول قوله ويحلف لكل واحد منهما يميناً، وإنْ كذب أحدهما وصدق الآخر قضى بالرهن للمصدق، وهل للمكذب تحليفه؟ فيه قولان:
أصحهما: لا، قاله في "التهذيب" وهما مبنيان على أنه لو أقرَّ بمال لزيد، ثم أقر به لعمرو، هل يغرم قيمته لعمرو؟ فيه قولان: وكذا لو قال: رهنت هذا من زيد وأقبضته، ثم قال: لا، بل رهنته من عمرو وأقبضته، هل يغرم قيمته للثاني ليكون رهناً عنده؟
إنْ قلنا: يغرم، فله تحليفه، فربما يقر ويأخذ القيمة.
وإنْ قلنا: لا يغرم يبنى على أنَّ النكول ورد اليمين بمثابة الإقرار أو البينة.
إن قلنا بالأول لم يحلف؛ لأن غايته أن ينكل فيحلف، وذلك مما لا يفيده شيئاً، كما لو أقر.
وإن قلنا بالثاني حلفه، فإن نكل فحلف اليمين المردودة ففيما يستفيد به وجهان:
أحدهما: يقضي له بالرهن، وينتزع من الأول وفاء بجعله كالبينة.
وأصحهما: أنه يأخذ القيمة من المالك لتكون رهناً عنده ولا ينتزع المرهون من الأول؛ لأنا وإنْ جعلناه كالبينة، فإنما نجعل ذلك بالإضافة إلى المتداعيين، ولا نجعله حجّة على غيرهما، وإنْ صدقهما جميعاً، نظر إنْ لم يدعيا السبق، أو ادّعاه كل واحد منهما، وقال المدعى عليه: لا أعرف السابق منكما، وصدقاه فوجهان:
أحدهما: أنه يقسم الرَّهْن بينهما، كما لو تنازعا ملكاً في يد ثالث، واعترف صاحب اليد لهما بالمِلْك.
وأصحهما: أنه يحكم ببطلان العقد، كما إذا زوج وليَّان من شخصين، ولم يعرف السَّابق منهما، وإن ادَّعى كل واحد منهما السَّبْق، وأنَّ الراهن عالم بصدقه، وأنه بقي علمه بالسبق، فالقول قوله مع يمينه، فإن نكل ردت اليمين إليهما، فإن حلف أحدهما دون الآخر قضى له، وإنْ حلفا أو نكلا تعذر معرفة السابق وعاد الوجهان، وإنْ صدق أحدهما في السَّبْق، وكذب الآخر قضى للمصدق، وهل يحلفه المكذب؟