فيه القولان السابقان، وحيث قلنا: يقضي للمصدق، فذلك إذا لم يكن العبد في يد المكذب، فإنْ كان فقولان:
أحدهما: وهو اختيار المزني أخيراً أنَّ يده ترجّح على تصديق الراهن الآخر، وتقتضي له بالراهن.
وأصحهما: أن المصدق مقدم؛ لأن اليد لا دلالة لها على الرَّهْن، ألا ترى أنه لا تجوز الشهادة بها على الرَّهْن، ولو كان العبد في أيديهما معاً؟
فالمصدق مقدم في النصف الَّذِي هو في يده، وفي النصف الأخير قولان، والاعتبار في جميع ما ذكرناه بسبق القبض لا بسبق العقد، حتى لو صدق هذا سبق العقد، وهذا سبق القبض، فالمقدم الثاني (١).
فرع ثالث: دفع متاعاً إلى رجل، وأرسله إلى غيره ليستقرض منه للدافع، ويرهن المتاع به ففعل، ثم اختلفا فقال المرسل إليه: استقرض مائة، ورهن المتاع بها بإذنك، وقال المرسل: لم آذن له إلاَّ في خمسين، نظر إن صدق الرسول المرسل فالمرسل إليه مدّع عليهما على المرسل بالإذن، وعلى الرسول بالأخذ، فالقول قولهما في نفي ما يدعيه، وإنْ صدق المرسل إليه، فالقول في نفي الزيادة قول المرسل، ولا يرجع المرسل إليه على الرسول بالزيادة، إنْ صدقه في الدفع إلى المرسل؛ لأنه مظلوم بقوله، وإنْ لم يصدقه رجع عليه هكذا ذكروه، وفيه إشكال؛ لأن الرسول وكيل المرسل، وقبضه يحصل الملك للموكل حتى يغرم له إنْ تعدى فيه، ويسلمه إليه إن كان باقياً، وإذا كان كذلك فرجوع المرسل إليه إنْ كان بناء على توجه العهدة على الوكيل فليرجع، وإنْ صدقه في دفع المال إلى المرسل كما يطلب البائع الوكيل بالشراء بالثمن، وإن صدقه في تسلم المبيع إلى الموكل، وإنْ كان الرجوع للمقرض أن يرجع في عين القرض، ما دام باقياً. فهذا ليس بتعريض ورجوع مطلق، وإنما يسترد عين المدفوع، فيحتاج إلى إثبات كونه في يده، ولا يكفي فيه عدم التَّصْديق بالدفع إلى المرسل، وإنْ كان غير ذلك فلم يرجع إذا لم يصدقه، ولم يوجد منه تعد عليه ولا على حقه، والله أعلم.
(١) قال النووي: ولو قال المدعى عليه: رهنته عند أحدكما ونسيت حلف على نفي العلم، فإن نكل ردت عليهما فإن حلفا أو نكلا انفسخ العقد على المذهب الذي قطع به الجماهير في الطرق ونقله الإمام وغيره عن الأصحاب. وخرج وجه: أنه لا ينفسخ بل يفسخه الحاكم وبهذا الوجه قطع صاحب "الوسيط" وهو شاذ ضعيف، وإذا حلف الراهن على نفي العلم تحالفا على الصحيح كما لو نكل وفي وجه: انتهت الخصومة. ينظر الروضة ٣/ ٣٥٢.