للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: الأَمْرُ الثَّانِي فِي القَبْضِ وَالقَوْلُ فِيهِ أَيْضاً قَوْلُ الرَّاهِنِ، وَكَذا إِنْ وَجَدْنَاهُ فِي يدِ المُرْتَهِنِ إِذَا قَالَ الرَّاهِنُ: غَصَبْتُهُ (و)، وَلَوْ قَالَ: أَخَذْتُهُ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَةً أَوْ بِجِهَةٍ أُخْرَى مَعَ الإِذْنِ فَوَجْهَانِ، لأِنَّهُ اعْتَرَفَ بِقَبْضٍ مَأذُونٍ فِيهِ مِنَ الرَّاهِنِ وَأَرَادَ صَرْفَهُ عَنْهُ، فَلَوْ أُقِيمَتِ الحُجَّةُ علَى إِقْرَارِهِ بِقَبْضِ الرَّهْنِ فَقَالَ: كُنْتُ غَلِطْتُ تَعْوِيلاً عَلَى كَتَابِ الوَكِيلِ أَوْ إقَامَةٍ عَلَى رَسْمِ القَبَالَةِ (و) فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ المُرْتَهِنَ عَلَى نَفْيِهِ، وَإِنْ قَالَ: تَعَمَّدتُّ الكَذِبَ فَلاَ يُسْمَعُ (و) وَلاَ يُمَكَّنُ مِنَ التَّحْلِيفِ.

قال الرَّافِعِيُّ: الأمر الثَّاني مما يعرض فيه التَّنَازع في القبض، وفيه مسألتان:

إحداهما: إذا تنازعا في قبض المرهون، نظر إنْ كان في يد الراهن وقت النزاع، فالقول قوله مع يمينه كما في أصل الرَّهْن، وإنْ كان في يد المرتهن، وقال: أقبضنيه عن الرَّهْن وأنكر الراهن، نظر إنْ قال: غصبتنيه فالقول قوله أيضاً؛ لأن الأصل عدم لزوم الرَّهْن وعدم إذنه في القبض، وإن ادعى قبضه عن جهة أخرى مأذون فيها سوى الرَّهْن، فإن قال: أوْدَعْتكه أو أَعَرْت أو اكْتَرَيْت أو اكتريته من فلان بإكراه منك فوجهان:

أحدهما: أن القول قول المرتهن؛ لأنهما اتفقا على قبض مأذون فيه، وأراد الراهن أنْ يصرفه إلى جهة أخرى، والظاهر خلافه لتقدم العقد المحوج إلى القبض.

وأصحهما، وهو المنصوص: أن القول قول الراهن؛ لأن الأصل عدم اللزوم، وعدم إذنه في القبض عن الرَّهْن، وفي "النهاية" حكاية وجه بعيد فيما إذا قال: غصبتنيه أيضاً، أن القول قول المرتهن استدلالاً باليد على الاستحقاق، كما يستدل بها على الملك، ويجري مثل هذا التفصيل، فيما إذا اختلف البائع والمشتري في القبض، حيث كان للبائع حق الحبس، إلاَّ أنّ الأظهر هاهنا الحكم بحصول القبض إذا كان المبيع عند المشتري، وادّعى البائع أنه أعاره أو أودعه لتقوى اليد بالملك، وهذا يتفرع على أنَّ حق الحبس لا يبطل بالإِيْدَاع والإِعَارة عند المشتري، وفيه وجهان، ولو سلم الراهن أنه أذن له في قبضه عن جهة الرَّهْن، ولكن قال: رجعت قبل أن قبضته، وقال المرتهن: لم ترجع فالقول قوله؛ لأن الأصل عدم الرجوع، ولو قال الراهن: لم تقبضه بعد، وقال المرتهن: قبضته، فقد نقل فيه اختلاف نص عن "الأم"، واتفق الأصحاب على تنزيلهما على حالين، إنْ كان المرهون في يد الراهن فالقول قوله، وإن كان في يد المرتهن فالقول قوله؛ لأن اليد قرينة دالة على صدقه.

الثانية: إقرار الراهن بإقباض المرهون مقبول ملزم لكن بشرط الإمكان حتى لو قال: رهنته اليوم داري بِهَمَدان، وأقبضتها إياه وهما بقزوين فهو لاَغٍ، ولو قامت الحجة على إِقْرَاره في محل الإمكان، فقال: لم يكن إقراري على حقيقته، فحلفوه أنه قبض،

<<  <  ج: ص:  >  >>