فإن قلنا: يغرم، طولب في الحَالِ إن كان موسرًا وإن كان معسرًا فإذا أيسر، وفيما يغرم المَجْنِيُّ عَلَيْهِ؟ طريقان.
قال أبو إسحاق وطائقة: أصح القولين أنه يغرم الأقل من قيمته وأرش الجِنَاية. وثانيهما: أنه يغرم الأرْشُ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وقال الأكْثَرُونَ ومنهم أبو الحَسَن: يغرم الأقل بِلاَ خِلاَف، كما أن أُمَّ الولد لا تفدى إلا بالأقل إذا جَنَت؛ لامتناع البيع، بخلاف العبد القِنِّ. وإن قلنا: لا يغرم الرَّاهن، فإن بِيعَ فِي الدَّيْنِ فلا شيء عليه، لكن لو ملكه يوماً فعليه تسليمه في الجِنَاية، وكذا لو انفك الرَّهْن عنه فهذا إذا حَلَف المرتهن، فإن نكل فعلى من تُرَدُّ اليمين؟ فيه قولان، ويقال: وجهان:
أحدهما: على الرَّاهِنِ؛ لأنه المَالِكَ لِلْعَبْدِ، والخصومة تجري بينه وبين المرتهن.
وأصحهما: على المجني عَلَيْهِ؛ لأن الحق فيما أَقَرّ لَه، والرَّاهِن لا يدعي لِنَفْسِهِ شَيْئاً، وهذا الخِلاَف عن الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مبني على أنه لو حلف المرتهن هل يغرم الرَّاهِنُ عليه؟ إن قلنا: نعم، يرد على المجنى عليه؛ لأن الرَّاهِنَ لا يستفيد باليَمِينِ المَرْدُودَةِ شَيْئاً والمجنى عليه يستفيد بها إِثْبَاتَ دَعْوَاهُ، وسواء قلنا: ترد اليمين على الرَّاهِن أو المجنى عَلَيْهِ، فإذا حلف المردود عليه بِيعَ العَبدُ في الجِنَايَةِ، ولا خيار للمُرْتَهِن في فَسْخِ البيع إن كان الرَّهْن مشروطاً فِي بَيْعِ؛ لأن إِقرارَ الرَّاهِنِ إذا لم يقبل لا يفوت عليه شيئاً، وإنما يلزم الفوات من النُّكولِ، ثم إن كان الأرش يستغرق قيمة العبد بيع كله، وإلا بيع منه بقدر الأَرْشِ، وهل يكون البَاقِي رَهْناً؟ فيه وجهان:
أصحهما: لا؛ لأن اليَمِينَ المردودةَ كالبينة، أو كإقرار المرتهن بأنه كان جَانِياً في الابتداء، فلا يَصِح الرَّهْنُ فِي شَيْءٍ منه وإذا رددنا على الرَّاهِنِ فَنَكل فهل يرد الآَن على المجنى عليه؟ فيه قولان ويقال: وجهان:
أحدهما: نعم؛ لأن الحَقَّ له، فلا ينبغي أن يبطل بنكول غيره.
وأشبههما: لا؛ لأن اليَمِينَ لاَ تُرَدُّ مرةً بَعْدَ مَرّةٍ فعلى هذا نكول الراهن كَحَلِفِ المرتهن في تَقْرِيرِ الرَّهْنِ، وهل يغرم الرَّاهِن لِلْمقر لَهُ؟ فيه القولان، وإن رددنا على المَجْنِي عليه فنكل قال الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وغيره: تسقط دعواه وتنتهي الخصومة، وطرد العراقيون في الرَّدِّ منه على الرَّاهِنِ الخلاف المذكور في عكسه، وإذا لم يُرَدّ لم يغرم له الرَّاهن قولاً واحداً، ويحال بالحيلولة على نكوله، هذا تمام التفريع على أحد القَوْلَيْنِ في أصْلِ المسألة، وهو أن الراهن لا يقبل إقراره.
أما إذا قلنا: إنه يقبل إقراره فهل يُحْلِف أم يقبل قولُه من غير يَمِين؟ فيه قولان أو وجهان: