أحدهما: أنه لا يحلف وهو اختيار القاضي أَبِي الطَّيِّبِ؛ لأن اليمين للزَّجْرِ والتخويف ليرجع عن قوله إِنْ كان كَاذِباً، وهاهنا لا سبيل له إلى الرّجوع.
وأصحهما عند الشيخ أَبِي حَامِدٍ ومن نحا نحوه: أنه يحلف لِحَقِّ المُرْتَهِنِ، وعلى هذا فَيَحْلِفُ على البِّت؛ لأنه يحلف على الإِثْبَات، وسواء قلنا: لا يحلف أو قلنا: يحلف، فيباع العَبْدُ فِي الجِنَايَةِ، إمَّا كله أو بعضه على مَا مَرّ، وللمرتهن الخِيَارُ فِي فَسْخِ البَيْعِ الَّذِي شرط فيه هذا الرَّهْن، فإن نَكَلَ حلف المُرْتَهِن؛ لأنا إنما حلفنا الرَّاهِن لِحَقِّه، فالرَّدُّ يكون عليه، وما فائدة حلفه؟ فيه قولان حكاهما الصَّيْدَلاَنِيُّ وغيره:
أصحهما: أن فائدَتَهُ تقريرُ الرَّهْنِ فِي العَبْدِ على ما هو قِيَاسُ الخُصُومَاتِ.
والثاني: أن فائدته أن يغرم الرَّاهِن قيمته؛ ليكون رَهْناً مكانه، وَيُبَاعُ العَبْدُ في الجِنَايَةِ بإقرار الرَّاهِنِ، فإن قلنا بالأول فهل يَغْرَمُ الرَّاهِنُ للمقر له؛ لأنه بنكوله حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ؟ فيه ما سبق من القَوْلَيْنِ، وإن قلنا بالثاني فَهَلْ للمُرْتَهِنِ الخِيَارُ فِي فَسْخِ البَيْعِ الذي شرط فيه هذا الرَّهْن؟ فيه وجهان، ينظر في أَحَدِهِمَا إلى حُصُولِ الوَثِيقَةِ والثاني إلى أن غيْرِ المَشْرُوطِ لم يسلم وهو الأَصحَ، وإن نَكَل المُرْتَهِنُ بِيعَ العَبْدُ في الجناية، ولا خيار له في البَيْعِ، ولا غرم على الرَّاهِن.
وإذا عرفت تفريع القولين فيما لو أقر بالجناية فَقِسْ به تفريعهما فيما لو أَقَرّ بالبَيْعِ أو الغَصْب ونحوهما قبل الرَّهْن.
ولو أقر بالعتق وقلنا: إنه لا يقبل إقراره فالمنصوص: أنه يجعل ذلك كإنْشَاء الإِعْتَاقِ حتى تَعُودَ فِيهِ الأقوالُ؛ لأن من ملك إنْشَاء أَمْرِ قُبِلَ إقراره فيه، ونقل الإمام رحمه الله تعالى في نُفوذِهِ وَجْهَيْنِ، وإن حكمنا بنفوذ الإنشاء؛ لأنه ممنوع من الإنشاء تبرعاً وإن نفذناه إذا فَعَل، وهذا كما أن إقرار السَّفِيه بالطَّلاَق مقبولٌ كإنشائه، ولو أقر بِإتْلاَفِ مَالٍ ففي قبوله وجهان؛ لأنه ممنوع من الإتْلاَفِ شَرْعاً، ففي مسألة الإقْرارِ بالخِيَارِ كَلاَمَانِ:
أحدهما: جميع ما ذَكَرْنَاهُ في المسألة مَبْنِيٌّ على أَنَّ رهن الجَانِي لاَ يَجُوز، أما إذا جوزناه فعن بعض الأصحاب: أنه يقبل إقراره لاَ مَحَالة، حتى يغرم لِلمْجنِي عليه، ويستمر الرَّهْن، وقال آخرون: يطرد فيه القَوْلاَن.
ووجه عَدَم القبول: أنه يحصل بلزوم الرَّهْنِ؛ لأن المجني عليه يَبيع المَرْهُون لو عَجَزَ عن أخذ الغَرَامَةِ من الرَّاهِنِ.
والثاني: أنه لو أقر بجنايةٍ تُوجِبُ القِصَاصَ لم يقبل إقْرَارُهُ على العَبْدِ، ولو قال: ثم غفى على مَالٍ كما لو أقر بما يوجب المال.