الثانية: هل يجب تقديم غسل الصحيح على التيمم أم لا؟ أما في حق الجنب فوجهان:
أحدهما: أنه يجب، لأن الغسل أصل والتَّيمم بَدَلٌ فيقدم الأصل كما إذا وجد من الماء ما لا يكفيه يستعمله ثم يتيمم، وأصحهما أنه يتخيَّرُ إن شاء قدم، وإن شاء أخر؛ لأنه إنَّما يتيمم لما به من العلّة، وهي مستمرة بخلاف تلك المسألة، فإنه إنما يتيمَّم لعدم الماء، فلا بد من استِعْمَال الموجود أولاً ليصير عادماً، وأما المحدث ففيه ثلاثة أوجه أشار إليها في الكتاب:
أحدها: يجب تقديم غسل المقدور عليه من أعضاء الوضوء كلها كما ذكرنا في الجنب.
والثَّاني: أنه يتخير إن شاء قدم الغسل، وإن شاء آخره عن التَّيمم، وإن شاء أدخله في خلال المغسول، ولا نظر إلى أن الترتيب مرعي في الوضوء؛ لأنَّ التيمم فرض مستقل بنفسه، والترتيب إنما يراعى في العبادة الواحدة، وهدا اختيار الشيخ أبي علي.
والثالث: وهو الصحيح عند المعظم أن التيمم بدل عن موضع العذر فلا يجوز أن ينتقل عن العضو المعلول قبل أن يتمِّم ولا يجوز أن يقدمه عليه إذا لم يكن المعلول أول أعضاء الوضوء، وذلك لأن الترتيب شرط في الوضوء، فلا يعدل من عضو إلى عضو، ما لم يتم تَطْهِير الأوّل أصلاً، وبدلاً وقول الأوّل: إن التَّيمم فرض مستقلُّ بنفسه ممنوع، بل هو وصف تابع في طهارة المَعْلُول، وكونه مستقلاً في بعض الموانع لا ينافي كونه تابعاً هاهنا، فعلى هذا لو كانت الجَبِيْرَةُ على الوجه وجب تقديم التّيمم على غسل اليدين، ويتخيّر في تقديمه على غسل الصّحيح من الوجه، وتأخيره عنه فإن العضو الواحد لا ترتيب فيه، وإن كانت على اليدين وجب أن يكون التّيمم مؤخراً عن غسل الوجه، مقدّماً على مسح الرَّأس، وعلى هذا القياس، ولو كان له على عضوين فصاعداً جبائر، فَلاَ بُدَّ من تعديد التَّيمم على هذا الوجه الثالث.
نظيره كانت على الوجه جَبيرة، وعلى اليد أخرى يغسل الصحيح من وجهه، ويتيمم للمعلول منه ثم يغسل الصحيح من يديه، ويتيمم للمعلول منهما، ثم يمسح يرأسه، ويغسل رجليه.
وعلى الوجه الأول والثاني يكفي التيمم الواحد، وإن تعدّدت الجراحات. وإنما يجوز الاقْتِصَار على غسل الصحيح، والمسح على الجَبَائِر مع التيمم أو دونه على الخلاف المتقدم (١) بشرطين:
(١) قال النووي: ولو عمت الجراحات أعضاءه الأربعة، قال القاضي أبو الطيب والأصحاب: يكفيه =