قال الرَّافِعِيُّ: من عليه الدين إذا أراد أن يسافر نظر إن كان الدين حالاً فلصاحبه منعه حتى يقضي حقه (١)، قال الأئمة: وليس هذا منعاً من السَّفَرِ، كما يمنع السَّيِّدُ العَبْدَ، والزوُج الزوجَة، ولكن يشغله عن السَّفَرِ برفعه إلى مَجْلِسِ الحكم ومطالبته حتى يوفى الحق، وإن كان مؤجلاً نظر إن لم يكن السفر مخوفاً فلا منع إذ لا مُطَالَبَة، وليس له طلب رَهْنِ ولا كَفِيلِ أيضاً، وهو المضيع لِحَقِّ نَفْسِهِ حيث رَضِيَ بالتَّأْجِيلِ من غير رَهْنِ ولا كَفِيل، وليس له أن يكلفه الإشْهَاد أيضاً، ولا فرق بين أن يكون حلول الأجل قريباً أو بعيداً، فإن أراد أن يسافر معه ليطالبه عند حلوله فله ذلك بشرط أن لا يلازمه ملازمة الرَّقِيبِ.
وقال مالك: إذا عَلِم حلولُ الأجَلِ قبل رجوعه فله أن يطالبه بكفيل، وعن صاحب "التقريب" نقل وجه أن له طلب الإشْهَاد؛ لأن المستحق يتوثق به ولا ضَرَر فيه على المَدْيُون، وإن كَانَ السَّفَر مخوفاً كالجهاد وركوب البحر ففيه وجوه:
أصحّها: أنه لاَ مَنْعَ أيضاً، إذ لا مطالبة في الحَالِ.
والثاني: ويحكى عن أَبِي سُعِيدٍ الإِصْطَخْرِي: أنه يمنعه إلى أن يؤدى الحق، أو يعطى كفيلاً؛ لأنه في هذا السَّفر يعرض نَفْسَهُ لِلْهَلاَكِ فيضيع حقه.
والثالث: إن لم يخلف وفاء ما عليه منعه، وإن خلفه فلا، اعتماداً على حُصُولِ الحق منه، وفي سفر الجهاد وجه آخر، أن المديون إن كان من غير المُرْتَزِقَة مُنِع، وإن كان منهم لا يمنع، لأن وجوهَ مَعَايِشِهِمْ وأكسابهم منه.
واعلم أن القَاضِي الرّويَانِي اختار مذهب مالك، فقال: له المطالبة بالكفيل في السَّفَرِ المخوف، وفي السَّفَرِ البعيد عند قرب الحُلُولِ في هذا الزَّمَانِ، لفساد الطُّرُق وانقطاع القوافل وعجز الحكام عن استيفاء الحقوق بالكتب الحكمية، وإن شئت فَأَعْلِم قوله:(ولا طلب الكلفيل) مع الميم بالواو.
(١) قضيته أنه لو لم يجد منع ولا إذ أن له السفر وذكر في كتاب السير أن من عليه دين حال لمسلم أو ذمي ليس له أن يخرج لسفر وجهاد أو غيره إلا بإذنه وله أن يمنعه من السفر.