قال الرَّافِعِيُّ: هذا الحكم الثَّاني، وإن كان ثابتاً في حتى المفلس المَحْجُورِ عليه، ولكن لا اختصاص له بالمَحْجُور، بل كما يبيع الحاكم مال المفلس المحجور ويقسمه بَيْنَ الغُرَمَاءِ، فكذلك غيره من المديونين، إذا امتنع من قضاء الدين وبيع المال فيه يبيع الحاكم ماله ويقسمه بين الغُرَمَاءِ.
وعند أبي حنيفة لا يبيع الحاكم ماله بل يحبسم حتى يبيع، وسلم أن يصرف أحد النقدين في الآخر.
لنا: القياس على ما سلمه، وأيضاً حديث معاذ -رضي الله عنه- الذي قدمناه وروى أن عُمَرَ -رضي الله عنه- خطب النَّاسَ وقال:"ألا إن الأُسَيْفِعَ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ قَدْ رَضِيَ من دِينِهِ وأَمَانَتِهِ أنْ يُقَال: سَبَقَ الحَاجِّ إلا أنه ادَّانَ مُعرِضا فأصبح وَقَدْ رِينَ به فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْه دَيْنٌ فَلْيَحْضُرْ فإنا بايُعُوا مَالِه وَقَاسِمُوهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ، هَذَا رَجُلٌ من جُهَيْنَةَ، ذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِي الرَّواحِلَ ويُسْرعُ السَّيْرَ فَيَسْبِقُ الحَاجَّ فَأَفْلَسَ"(١).
وقوله:"ادّان" أي اسْتَقْرض.
وقوله معرضاً: أي اعتراض الناس فاستدان ممن أمكنه.
وقوله:"ين" أي: وقع فيما لا يستطيع الخروج منه، قال أَبُو عُبَيْدٍ: كلما غلبك فقد ران بك ورانك.
إذا تقرر ذلك، فهذا حجر الحَاكِم على المُفْلِس، فالمستحب أن يبادر إلى بيع مَالِهِ وقسمته حتى لا تطول مُدَّةُ الحَجْرِ، ولا يفرط في الاستعجال كَيْلاَ يطمع فيه بثمن بُخْسٍ، ويستحب أن يبيع بحضرة المُفْلِس أو وكيله؛ لأنه أنس للتهمة وأطيب لقلب المفلس والمشترين، وليخبر بصفات المتاع وأنه بِكَم اشْتَرَاهُ، فتكون الرغبة فيه أكثر، وليطلع على عيب إن كان به ليباع على وَجْهِ لا يرد، وكذلك يفعل إذا بَاعَ المَرْهُون، ويستحب أيضاً إحضار مستحقي الدَّيْنِ، ويقدم بيع المرهون في حَقِّ المرتهن إن كان في ماله مرهون، ويبيع العَبْدُ الجَانِي في حق المَجْنِيِّ عَلَيْهِ ليعجل حقهما، فإن فضل شيء كان مع سائر أمواله للغُرَمَاءِ، وإن بقي من دين المرتهن شيء ضارب به سائر
(١) أخرجه مالك في الموطأ بإسناد منقطع (٢/ ١٣٦) وانظر التخليص (٣/ ٤٠ - ٤١).