وإذا عرفت ذلك لم يَخْفَ عليك أن المراد من التردُّد في قول صاحب الكتاب، وفي لزوم إلقاء اللصوق عند إمكانه تردد، وهو الوجهان اللذان حكيناهما، ما صار إليه الشيخ أبو محمد، وما عليه الأكثرون.
وأما ما أشار إليه من التردُّد في مسألة وجوب اللبس، فسياق كلامه يشعر بإثبات وجهين في المسألة، لكن إمام الحرمين لم يذكرهما نَقْلاً عن شيخه، وإنما قال: قياس ما ذكره وجوب اللبس، ولا يصح إثبات الخلاف إذا لم يكن نقل إلا إذا انتفى الفارق، وقد وجد الفرق بين المسألتين، وبينه الإمام فقال: لشيخي أن ينفصل عما ذكرته في المسح على الخف، بأنه رخصة مَحْضَة، فلا يليق بها إيجاب لبس الخف، وما نحن فيه من مسالك الضَّرُوريات، فيجب فيه الإتْيَان بالممكن، وإلقاء خِرْقة يمسح عليها ممكن.
واعلم أن ظاهر المذهب اشتراط الطهارة عند إلقاء الجَبِيرَةِ، واللّصوق ليجوز المسح عليه، كما يشترط ذلك عند لبس الخف، وقد بيناه من قبل، وإذا كان كذلك فمن يقول بوجوب الإلقاء عند الإمكان، يأمر به قبل الحدث ليمسح عليه إذا تَطَهّر بعد الحدث كما في مسألة اللبس، ويضعف المصير إلى الوجوب في الصورتين بشيء، وهو أن الشخص إذا كان متطهِّرًا، فلا يخلو إما أن يكون أدَّى وظيفة الوقت، أو لم يؤدها، فإن لم يؤدها فهو متمكن من أدائها بهذه الطّهارة، فلا يكلف، والحالة هذه بطهارة أخرى، والطَّهارة التي لا يكلف بها لا يكلف بإعداد أسبابها، ألا ترى أنه لا يؤمر بإمساك الماء ليتوضأ به للصّلاة الَّتي لم يدخل وقتها، ولو صبه هزلاً واحتاج إلى الصلاة بالتَّيمم لم يلزمه القضاء، وإن أدَّى وظيفة الوقت فليس عليه طهارة أخرى حتى يدخل وقت الصَّلاة الأخرى، ولا يكلف لإعداد أسباب الطهارة التي لم يلزم بعد.
قال الرافعي: الأصل في المسألة أن التَّيمم لا يؤدي به فريضتان، بل تفتقر كل فريضة إلى تيمم، وكذلك وضوء المُسْتَحَاضَةِ، وسنذكره في موضعه.
وإذا عرفت ذلك فنقول: من غسل الصحيح، وتيمم لمكان عذر المرض، أو الانْخِلاَعِ، أو الجراحة، إما مع المسح على الحائل، أو دونه إذا لم يكن حائل وصلّى فريضة بطهارته فله أن يصلي بها من النَّوافل ما شاء، ولا بد من إعادة التَّيمم للفريضة الأخرى، وإن لم يحدث، وهل يحتاج إلى إعادة الوضوء مع التيمم المعادِ؟ فيه طريقان:
أحدهما: أن فيه قولين، كما لو نزع الماسح على الخُفِّ أو انقضت مدة المسح،