بكذَا فباع يَصِح، ولو قال -والحالة هذه-: صالحني عن دارِك هَذِهِ بألف، فعن الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فيه ذكر وجهين.
أحدهما: الصحة؛ لأنّ مثل هذا الصُّلح معاوضة، فسواء عقد بهذه اللّفَظَة، أو بِهَذِهِ اللفظة.
وأظهرهما: المنع؛ لأنّ مثل هذا الصُّلْح معاوضة لا يطلق ولا يستعمل، إلا إذا سبقت خُصُومة، فعلى هذا يخالف الصُّلْحُ البَيعَ، وكأن هذا الخلاف مفروض فيما إذا استعملا لفظ الصُّلْح ولم ينويا أو أحدهما شيئًا، فأما إذا استعملا ونويا البيع فإنه يكون كِنايةً بِلا شَكٍّ، ويكون على الخلاف المَشْهُورِ في انعقاد البَيْعِ بالكِنَايَاتِ، والقياس عود مَسائِل الاستثناء في الصُّلْحِ الذي ذكرنا أنه إجارة بلا فَرْق.
وأعود الآن إلى البَحْثِ عن لفظ الكتاب، ونظمه.
قوله:(الفصل الأول في أركانه) أركان الصُّلْح على المعهود من كلام صاحب الكتاب: المتصالحان والمصالح عليه، والمصالح عنه، وليس في الفَصْلِ تعرض لها أو لشروطها، وإنما الذي يتضمنه بَيَان الصَّحِيح من الصُّلْح والفاسد، وأن الصحيح منه من أي قبيل هو؟ فإذن الفصل ببيان الأحكام أشبه مِنْهُ بالأركان، وقوله:(والصلح لا يخالف البيع إلا في ثلاث مسائل).
إما أن يحمل على كل صُلْحٍ أو على الصُّلْح المَذْكُورِ قَبْلَ هَذا الكَلاَمِ، وهو الصُّلْحُ الجارِي على غير المُدَّعي، وَظاهر أن الأوّل غَيْرُ مرادٍ لأنواع الصُّلْح التي ليست بنوع ولو أراد ذلك لما احتاج إلى تقييد ما قبله بقوله:(إن جرى على غير المدعي)، والثاني فيه توقف أيضًا لأنّ إحدى المسائل الثلاث ما إذا صالح على بعض المدعي، والصلح على بَعْضِ المدعي لا يندرج في الصُّلْحِ على غير المدعي حتى يستثنى منه إلا أن يراد بالغير كل ما يصدق أن يقال إنه ليس هو دون الخارج عن الذَّاتِ، لكنه بعيد عن الفَهْمِ في مثل هذه المواضع، وربما يوجد في بَعْضِ النُّسَخِ إن جرى عَلَى عَيْنِ المدعي بدل غير المدعي، وهو فاسد؛ لأنّ الصُّلْحَ على كل المدعي لا معنى له، وعلى بعضه لا يكون بيعًا ألبتة ولو كان مكانها إن جرى على العين المدعاة ليكون قسيمًا، لقوله: من بعد (وإن صالح عن الدين) ويتضح استثناء المسألة المذكورة لكان أحسن لكن الصُّلح في مسألة الصُّلْح عن الأَرْشِ صلح عن الدَّيْنِ، فلا يَدْخُلُ حينئذ حتى يستثنى مخالفة الصُّلْح البيع؛ لأنه لا ينحصر في الصور الثلاث، بل من صورها الصُّلْح عن القِصَاص فإنه صَحِيحٌ، ولا مجال للفظ البيع فيه.
ومنها: قال صاحب "التلخيص": لو صالحنا أهل الحرب من أموالهم على شيء نأخذه منهم جَازَ، ولا يقوم مقامه البَيْع، واعترض عليه القُفَّالُ، بأن تلك المصالحة