للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو صالح الأجنبي لنفسه بعين ماله أو بدين في ذِمَّتِهِ صَحَّ، كما لو اشْتراه، وعن الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ: أنه على وجهين كما إذا قال ابتداء لغيره من غير سبق دعوى ولا جواب: صالحني من دارك هذه على أَلْفِ؛ لأنه لم يجر مع الأجنبي خصومة فيه، قال: وهذه الصورة أولى بالصِّحة؛ لأن اللفظ يرتب على دَعْوى وَجَواب، فيكتفي به في استعمال لفظ الصُّلح.

وإن كان المدعي دينًا، وقال: وكلني المدعى عليه بمصالحتك على نصفه، أو على هذا الثوب من ماله فصالحه صح.

ولو قال: على هذا الثوب وهو ملكي، فوجهان:

أحدهما: أنه لاَ يصح؛ لأنه يبيع دينًا بعين.

والثاني: يصح ويسقط الدين، كما لو ضمن دينًا وأَدَّى عنه عوضًا (١).

ولو صالح لنفسه على عين أو دين في ذمته فهو ابتياع دَيْنِ في ذِمَّةِ الغَيْرِ، وقد بيَّنَّا حكمه في مَوْضِعِهِ (٢).

والثَّانية: أن يكون إنْكَارهُ ظاهرًا، فإذا جاء الأجنبي وقال: أقر المُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدِي، ووكلني في مصالحتك له إلا أنه لا يظهر إقراره خيفة أن تنتزعه منه فصالحه صَحّ؛ لأن قول الإنسان في دعوى الوكالة مقبولٌ في البَيْع، والشِّرَاءِ، وَسائِرِ المُعَامَلاَتِ، وإن قال الأجنبي: هو منكر، ولكنه مبطل في الإِنْكَارَ، فصالحني له على عَبْدِي هذا لتنقطع الخُصُومة بينكما فَصالَحَهُ فوجهان، أظهرهما على ما قاله الإمام: أنه غير صحيح؛ لأنه صُلْحٌ دَافِع لمنكر.

والثاني: يصح؛ لأن المتعاقدين متوافقان، والاعْتِبَارُ في شَرَائِطِ العَقْدِ بمن يباشر العَقْد، هذا إذا كان المدعي عينًا، فإن كان دينًا فطريقان:

أحدهما: أنه على الوَجْهين.

وأصحهما: القَطْعُ بالصِّحَّة، والفرق أنه لا يمكن تَمْلِيك الغيْرِ عين ماله بغير إذنه، ويمكن قضاء دينه بغير إذنه، وإن قال: هو منكر، وأنا أيضًا لا أعلم صدقك، وَصَالحه مع ذلك لم يصح، سواء كان المُصَالَح عليه لَهُ أو للمُدَّعَى عَلَيْهِ، كما لو جرى الصُّلْحُ مع المدَّعَي وهو منكر وَمُبْطِل في إنكاره ولو قال: فصالحني لِنَفْسِي بِعَبْدِي هَذا أَوْ


(١) قال النووي: الأول أصح. ينظر الروضة ٣/ ٤٣٥.
(٢) قال النووي: لو قال صالحني عن الألف الذي لك على فلان على خمسمائة صح سواء كان بإذنه أم لا لأن قضاء دين غيره بغير إذنه جائز. ينظر الروضة ٣/ ٤٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>