للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرَّافِعِيُّ: الجدار بين المالكين قد يختص بأحد المالِكَيْنِ، وقد يملكه المَالِكَانِ على الاشتراك.

القسم الأول: الجدار المخصوص بأحد المالكين هل للآخر وضع الجُذُوع عليه من غير إذن مالكه؟ فيه قولان:

القديم: وبه قال مَالِك وأحمد: نعم يجبر عليه لو امْتَنع؛ لما روى عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خُشُبَهُ عَلَى جِدَارِهِ، قالَ: فَنَكَّسَ الْقَوْمُ رُؤُوسَهُمْ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ، وَاللهِ لأَرْمِيَنَّها بَيْنَ أَكْتافِكُمْ" (١) أي لأضعن هذه السنة بين أَظْهُرِكم.

والجديد: وبه قال أَبُو حَنِيفةَ: أنه ليس له ذَلِكَ، ولا يجبر المالِك لو امتنع؛ لأنه انتفاع بِمِلْكِ الغَيْرِ، فأشبه البناء في أَرْضِهِ، والحمل على بهيمته والحديث يحمل على الاستحبابِ، لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ" (٢).

التفريع: الإِجبار (٣) على القديم مشروط بشروط.

إحداها: أن لا يَحْتَاج مالك الجدار إلى وضع الجُذُوع عليه.

الثاني: أن لا يزيد الجَار في ارتفاع الجِدَار، ولا يبنى عليه أزجا، ولا يضع عليه ما لا يحتمله الجِدَار، أو يضر به.

والثَّالِثُ: أن لا يملك شيئًا من جدران البقعة التي يريد تسقيفها، أو لا يملك جدارًا واحدًا، فإن ملك جدارين فليسقف عليهما، وليس له إجْبَار صَاحِب الجِدَار، وصاحب "النهاية" لم يعتبر هذا الشَّرْط هكذا، ولكن قال: الشرط أن تكون الجَوانب الثلاثة من البيت لِصاحِبِ البيت، وهو يحتاج إلى جَانِبٍ رَابعِ.

فأما إذا كان الكُلُّ لِلْغَيْرِ، فإنه لا يضع جذوع عليها قولًا واحدًا، ثم نقل عن بَعْضُ الأَصْحَابِ أنه لم يعتبر هذا الشَّرْط هَكَذَا، واعتبر في "التتمة" مثل ما ذكره الإمام، وحكى الوجهين فيما إذا لم يملك إلا جانبًا أو جانبين أيضًا، والمشهور ما تَقَدَّم، وإن


(١) أخرجه البخاري (٢٤٦٣، ٥٦٢٧، ٥٦٢٨) ومسلم (١٦٠٩).
(٢) أخرجه الدارقطني (٣/ ٢٥ - ٢٦) من حديث أنس، وابن عباس، وأبي حرة الرقاشي، عن عمه، وعمرو بن يثربي، وأخرجه البيهقي في خلافياته من رواية أبي حميد الساعدي، وعبد الله بن السائب عن أبيه عن جده، وقال إسناده هذا حسن، انظر خلاصة البدر (٢/ ٨٨).
(٣) قال النووي: الأظهر: هو الجديد وممن نص على تصحيحه صاحب "المهذب" والجرجاني والشاشي وغيرهم وقطع به جماعة. ينظر الروضة ٣/ ٤٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>