قلنا: بالجديد فلا بد من رِضَا المالِكِ، وإذا رضى فإما أن يرض من غير عِوضٍ، أو بعوض، إن رضيَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فهو إعارة يتمكن من الرّجُوعِ عنها قبل وَضْعِ الجُذُوعِ. والبناء عليه، وبعده وجهان:
أصحهما: أن له الرجوع أيضًا كما في سَائِرِ العوارى، وإذا رجع فلا كلام في أنه لا يمكن من القلع مجانًا، وفائدة رجوعه فيه وجهان مذكوران في الكِتَاب.
أظهرهما: أنه يُخَيَّر بين أن يبقى بأُجْرَة، وبين أن يقلع ويضمن أَرْش النُّقْصَان، كما لو أعاره أرضًا للبناء، قال في "التهذيب": إلا أن في إعارة الأرض له خصلة أخرى، وهي تملك البناء بالقيمة، وليس لمالك الجِدَارِ ذلك؛ لأنّ الأَرْضَ أَصْلٌ، فجاز أن يستتبع البناء، والجدار تَابع فلا يستتبع، والذي رواه الإمام عن حكاية القاضي أنه ليس له إِلاَّ الأجرة، ولا يمكن من القَلْعِ أصْلًا؛ لأن ضرورة القَلْعِ تتداعى إلى ما هو خالص مال المُسْتَعِير؛ لأن الجذوعَ إذا ارتفعت أطرافها من جدار لم تستمسك على الجِدَارِ الثَّاني.
والوجه الثاني: وبه أجاب العراقيون: أنه ليس له الرجوعُ أصلاً، ولا يستفيد به القَلْع، ولا طلب الأجرة للمستقيل؛ لأن مثل هذه الإِعَارة يراد بها التَّأييد، فأشبه ما إِذَا أَعَارَ لِدَفْنِ ميت لا يُمَكَّن من نبشه، ولا مِنْ طَلَبِ الأُجْرَة، فعلى هذا لو رفع صَاحِب الجذوعِ الجذوع، هل له إعادتها من غيرِ إذْنٍ جَدِيد؟ فيه وجهان نقلهما الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وأصحابه، ولو سقطت بنفسها فكذلك، والأَصَحُّ المَنْعُ، وكذا لو سقط الجِدَار فبناه صاحبه بتلك الآلة؛ لأن الإذْنَ لا يتناول إلا مرة واحدة، وإن بناه بِغَيْرِ تِلْك الآلة، فلا خلاف في أنه لا يعيد إلا بِإذْنٍ جَدِيدٍ؛ لأنه جدار آخر (١)، وإن رَضِيَ بِعِوَضٍ فذلك قد يكون على سَبِيلِ البَيْعِ، وقد يكون على سبيل الإِجَارَةِ، وسنتكلم فيهما من بعد.
ولو صالحه على مال لم يجز، إن فرعنا على قول الإجبار؛ لأنَّ من ثبت له حق لا يؤخذ منه عوض عليه، وإن فرعنا على القول الآخر صَحّ، وليس ذلك كالصلح عن
(١) قال النووي: الخلاف في جواز الإعادة بلا إذن. فلو منعه المالك، لم يعد بلا خلاف إذ لا ضرر، كذا صرح به صاحب "التتمة". وأشار القاضي أبو الطيب أو صرح بجريان الوجهين في جواز منعه، فقال في وجه: ليس له منعه؛ لأنه صار له حق لازم، هذا كله إذا وضع أولاً بإذن. فلو ملكا دارين، ورأيا خشبًا على الجدار، ولا يعلم كيف وضع فإذا سقط الحائط، فليس له منعه من إعادة الجذوع بلا خلاف، كذا صرح به القاضي أبو الطيب وصاحب "المهذب" و"الشامل" وآخرون؛ لأنا حكمنا بإنه وضع بحق، وشككنا في المجوز للرجوع. ولو أراد صاحب الحائط نقضه، فإن كان مستهدمًا، جاز، وحكم إعادة الجذوع ما سبق. وإن لم يكن مستهدمًا، لم يمكَّن من نقضه قطمًا. ينظر الروضة ٣/ ٤٤٧.