ولو بناه أحدهما بآلة نَفْسِهِ بِإِذْنِ الآخر بشرط أن يكون ثُلُثَا الجدارِ لَهُ، فقد قابل ثلث الآلة المملوكة له وعمله فيه بسدس العرصَة المبنى عَلَيْهَا، وفي صِحَّة هذه المُعَامَلة قَوْلاَن؛ لجمعهما بين مختلفي الحُكْم وهما: البيع والإجارة، ولا يخفى أن شَرْطَ الصِّحَّة العِلْم بالآلات، وبصفات الجِدَار، فإنه يعود فيها النَّظَر إلى شَرْطِ ثُلُثِ النَّقْضِ في الحَالِ، أو بعد البِنَاء.
الثانية: إذا كان له حق إجراء الماءِ في مِلْكِ الغَيْرِ، فانهدم ذلك الملك، لم يجب على مستحق الإجْرَاء مشاركته في العِمَارَةِ؛ لأن العِمَارَة تتعلق بتلك الأعْيَانِ وهي لِمالِكِهَا، لا يشترك المستحق الإجراء فيها، وإن كان الانهدام بسبب الماء ففيه احتمال عند الإمام، قال: والظاهر أنه لا عمارةَ عليه أيضًا؛ لأنه ليس بمالك، والانهدام تولد من مستحق. ولنتكلم الآن فيما يحتاج إليه من ألفاظ الكتاب.
قوله:(لا يجبر على العمارة في الأملاك المشتركة) يجوز إعلامه بالميم والألف، بل بالحاء أيضًا، لما قدمنا من مذاهبهم.
وقوله:(نعم، لو انفرد الشريك الآخر فلا يمنع) يشعر بتمكينه من العِمَارة، سواء عمر بالنقض المشترك، أو بخاص مِلْكه، وقد صَرَّحَ بذلك في "الوسيط"، وكذا الإمام، لكن الظاهر من النَّقْلِ ما قَدَّمْنَاه وهو أنه إن أعاد بآلة نَفْسِهِ فَلا مَنْع، وإن أراد العمارة بالنقض المُشْتَرك، فلصاحبه المنع إذا فَرَّعْنَا على الجَديد، وهو المتوجه من جهة المعنى فإنه المَالك، وقد يريد صَرْفَه إلى غَيْرِ تِلْكَ العِمَارةِ.
وقوله:(وشرط له الآخر أن يكون ثلثَا الجِدَار له) ظاهره التصوير فيما إذا شرط السدس الزائد بَعْدَ البِنَاء؛ لأنه حينئذ يسمى جدارًا، لكن عرفت في المباحثة التي مرت أن ذلك غَيْر جَائِز، فلَيؤول اللَّفظ.
وقوله:(وإذا انهدم العلو والسفل وقلنا: ليس لصاحب العلو إجبار صاحب السفل) إشارة إلى أن القولين في الإِجْبْار على العِمَارة في الأَمْلاَكِ المشتركة يجريان في أن صاحب السفل هل يجبر على إعادة السّفل الخَالِص له؟ وله:(فله أن يعمر بنفسه) فيه، مثل هذا الكَلاَم الذي ذَكَرْنَاهُ في قوله، (نعم لو انفرد الشريك الآخر فَلا يَمْنع).
وقوله:(فليس له صاحب السفل من الانتفاع بسفله) إن حمل على ما إذا أعاد بالنَّقْضِ المُشْتَرَكِ، فذاك، وإن أجرى على إطلاقه فليحمل الانتفاع على السكنى في عرصته، فإن الانتفاع بالجِدارِ غَيرُ سائِغٍ على ما تَقَدَّم، ثم ليعُلَّم بالواو للوجه المحكى عن صاحب "التقريب".
وقوله:(ولا أن يغرمه) مفرع في لفظ الكتاب على القول الجديد في مسألة السفل