للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحوالة على المعنيين الاستيفاء والاعتياض والخلاف في أن أيهما أغلب.

إذا عرفت ذلك فشرح الشَّرْطِ الأول أن تقول: لا تصح الحوَالة إلا برضى المستحق للدَّيْنِ، وهو المحتال، وللمستحق عليه وهو المُحِيل.

أما: رضي المُحْتَال عَلَيْه فلأن حقّه في ذمة المحيل، فلا ينفك إلا برضاه، كما أن الأعيان المستحقة للشَّخْصِ لا تبدل إلا بِرضَاه.

وأما رضي المُحِيل، فلأن له إيفاء الحقّ من حيث شَاء ولا نعين عليه بعض الجِهَات قهراً، وهل يشترط رضي المُحَالِ عليه ينظر إن كان الحوَالة على من عليه دين المُحِيل فوجهان:

أحدهما: وبه قال أبو حنيفة: يشترط رضاه؛ لأنه أحدُ أركانِ الحوَالة، فأشبه المُحِيل والمُحْتَال؛ لأن النَّاس يختلفون في الإيفاء والاستيفاء، وبهذا قال الإصْطَخْرِي والزُّبَيْرِيُّ، وعن ابْنِ القَاصّ أنه منصوص عليه في "الأم".

وأصحهما: وهو المذكور في الكتاب وبه قال مَالِكٌ وأحمد: لا حاجة إلى رِضَى المُحالِ عَلَيْهِ؛ لأنه محل الحق والتصرف، فصار كما إذا باع عبداً لا يشترط رِضَاه؛ لأن الحَقَّ للمحيل عليه، فله أن يستوفِيَه بنفسه وبِغَيْرِه، كما لو وَكَّلَ في الاستيفاء وكيلاً، وبنوا الوجهين على أن الحوالة اعتياض أو استيفاء.

فإن قلنا: بالأول فلا يشترط؛ لأنه حق المُحِيل فلا يحتاج فيه إلى رِضَى الغَيْرِ.

وإن قلنا: بالثاني، فيشترط تَعَذُّر إقراضه من غير رِضَاه، وإن كانت الحوالة على مَنْ لاَ دَيْنَ عليه لم تصح دون رضاه؛ لأنا لو صححناها لألزمناه قضاء دين الغير قهراً، وإن رضي فَفِي صحة الحوالة وَجْهَان بناهما الجُمْهُور عَلَى الأَصْلِ المذكور.

وإن قلنا: إنها اعتياض لم تصح؛ لأنه ليس على المُحَال عليه شَيْء حتى نجعله عوضاً عَنْ حق المُحِيل.

وإن قلنا: استيفاء فتصح، كأنه أخذ المُحْتال حقه، وأقرضه من المُحال عليه؛ وبهذا قال ابْنُ الحدَّادِ وقال الإمَام: الصحيح: عندي تخريجه على الخِلاَف، في أنه هل يَصِح الضمَّان بشرط براءة الأصِيل؟ بل هذه الصُّورة عين تلك الصُّورة، فإن الحوالةَ تقتضي بَرَاءَةَ المُحِيل، فإذا قَبِل الحوالة فقد التزم على أن يبرئ المُحِيل، وهذا ذهاب منه إلى براءة المُحِيل، وجعلها أصلاً مفروغاً عنه، لكن فيه وجهان نقلهما القاضي ابْنُ كِجٍّ. أحدهما: أنه يبرأ على قِيَاس الحوالاَت، وهذا ما أورده الصَّيْدَلاَنِيُّ، وأخذ به الإمام. والثاني: هو الذي أورده الأكثرون: أنه لا يبرأ، وقبول الحوالة مِمَّنْ لاَ دَيْنَ عليه ضَمَانٌ مجرد، ثم فرعوا فقالوا:

<<  <  ج: ص:  >  >>