للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم نقل العُلَمَاءُ أن هذا كان في أول الإسْلاَم، ولم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي على من لم يخلف وفاء من المديونين؛ لأن صلاته -صلى الله عليه وسلم- شَفَاعة موجبة للمغفرة، ولم يكن حينئذ في الأموال سعة، فلما فتح الله الفتوح قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ" (١).

ونقل عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في خطبته: "مَنْ خَلَفَ مَالاً أَوْ حَقّاً فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ خَلَفَ كَلاًّ أَوْ دَيْناً فَكَلُّهُ إِليَّ وَدَيْنُهُ عَلَىَّ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ وَعَلى كُلِّ إِمَامٍ بَعْدَكَ؟ قال: وَعَلَى كُلِّ إِمَامٍ بَعْدِي" (٢).

وقد ضمن حُجَّة الإِسْلام مسائل الضمان في بابين:

أحدهما: في أركان صِحّة الضَّمان.

والثاني: في أنه إذا صح فما حكمه؟ وهذا ترتيبه في أغلب الأبواب.

أما الأركان فأولها: المضمون عنه وهو الأَصِيل، ولا يشترط رضاه لصِحَّة الضَّمان وفاقاً، إذ يجوز أداء دَيْنِ الغير بغير إذنه، فالتزامه في الذمة أولى بالجَواز، ويدل عليه أنه يصح الضَّمَان عن الميت، ومعلوم أنه لا يتصور منه الرّضا، والدليل على صحته ما قدمناه من ضمان عليّ وأبي قتادة -رضي الله عنهما-، ولا فرق بين أن يخلف الميت وفاءً أو لا يخلف، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يبحث عن ذلك، وبهذا قَالَ مالك وأحمد.

وعند أبي حنيفة: لا يصح، إلا إذا خَلَف وَفَاءً أو كان به ضَامِن، وساعدنا فيما إذا ضَمِن عنه في حَيَاتِهِ ثم مات وهو مُعْسِر أنه لا يبطل الضَّمَان، وهل يشترط معرفة المضمون عنه لِصِحَّةِ الضمان؟ فيه وجهان:

أحدهما: أنه يشترط ليعرف حاله، ولأنه هَلْ يستحق اصطناع المعروف إليه؟ وهذا ما أورده الصَّيْدَلاَنِيُّ.

وأصحهما: أنه لا يشترط، كما لا يشترط رِضَاه.

واعلم أن الشَّافعي -رضي الله عنه- قال في مسألة ضمان الميت: "ولو ضمن دَيْن مَيِّتٍ بعد ما تعرفه وتعرف لمن هو، فالضَّمان في ذلك لازم"، واختلفوا فيما يعود إليه في قوله: "بعد ما يعرفه"، بحسب اختلافهم في اشتراط معرفة المضمون عنه، فمن شرطها قال: هي عائدة إلى الميت المضمونِ عَنْه، ومن لم يشترطها قال: هي عائدة إلى


= (١٦١٩)
(١) انظر التخريج السابق، وقوله وعلى كل إمام، أخرجه الطبراني في الكبير بلفظ من ترك مالاً.
(٢) قال النووي: وإذا شرطنا قبول المضمون له فللضامن الرجوع عن الضمان قبل قبوله قاله في =

<<  <  ج: ص:  >  >>