الدَّيْنِ، إذ لا بد من معرفة جنسه وقدره وهو الصَّحِيح، ويدل عليه أن أَبَا بَكْرٍ الفَارِسِي نقل هذا النَّص بعينه في عيون المسائل، وأنه قال في توجيهه لأنه عرف ما ضمنه، ولمن ضمنه.
قال الرَّافِعِىُّ: المضمون له هو مستحق الدَّيْنِ، وفي اشتراط معرفته وجهان:
أحدهما: أنها لا يشترط، لأنه لم يقع التعرض والبحث عنه في ضَمَانِ عَلِيٍّ وأبِي قَتَادَةَ -رضي الله عنهما-.
وأصحهما: أن لا بد وأن يعرف الضَّامِن؛ لأن النَّاس يتفاوتون في الاقتضاء والاستيفاء تشديداً وتسهيلاً، والأغراض تختلف بِذَلِكَ، والضمان مع إهماله غرر وضرر من غير ضرورة، وعلى هذا فَفِي اشتراط رِضَاه وجهان.
قال الأكثرون: لا يشترط؛ لأن الضَّمَانَ محض التزام، وليس موضوعاً على قواعد المعاقدات، وقال صاحب "الإفصاح" والقاضي ابْنُ كِجٍّ: يشترط لأن الضمان يجدد له سلطنة وولاية لم تكن، ويبعد أن يتملك بتمليك الغَيْر شيئاً من غير رِضَاه، وبهذا قال أبو حنيفة، إلا أنه قال: لو التمس المريض من الورثة أن يضمنوا دينه فأجابوا صح، وإن لم يرض المَضْمُونُ له وإذا قلنا: باشتراط رِضَاه ففي اشتراط قبوله وَجْهَان:
وجه الاشتراط أنه يملك في مقابلة تَمْلِيك الضَّامِنِ فيعتبر فيه القبول كسائر التمليكات والتَّمَلُّكَات.
والأصح: أنه لا يشترط، وفرقوا بينه وبين سَائِرِ التملكات بأن الضَّمَان لا يُثْبِت مِلْكَ شَيْءٍ جديد، وإنما يتوثق به الدّين الذي كان مملوكاً، وهذا يشكل بالرَّهن فإنه لا يفيد إلا التوثيق، ويعتبر فيه القبول، وعن الشيخ أَبِي مُحَمَّدٍ تقريب هذا الخِلاَف من الخلاف في اشتراط القبول في الوكالة؛ لأن كل واحدٍ منهما يجدد سلطة لم تكن، فإن شرطنا القبول فليكن بينه وبين الضَّمَان مثل ما بين الإيجاب والقبول في سائر العقود، وإن لم نشترط فيجوز أن يتقدم الرِّضَى على الضَّمَانِ، وإن تأخر عنه فهو إجازة إن جوزنا وقف العقود ذَكَرَهُ الإِمَام، وفرع على قولنا: لا يشترط رِضَاه، فقال إِذا ضمن بغير رِضَاه فينظر إن ضمن بغير إذن المضمون عنه فالمضمون له بالخيار إن شاء طالب الضَّامِن، وإن شاء تركه، وإن كان الضمان بإذنه فحيث قلنا: يرجع الضَّامِن على المضمون عنه يتخير المضمون لَهُ على قَبُولِهِ؛ لأن ما يؤديه في حكم لملك المضمون عَنْه، وحيث