للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: لا يرجع، فهو كما لو قال لغيره: أَدِّ ديْنِي ولم يشترط الرجوع وقلنا: إنه يرجع، وهل لمستحق الدين والحالة هذه أن يمتنع من القبول؟ فيه وَجْهَان بناءً على أن المؤدي يقع فِدَاء، أو موهوباً ممن عليه الدين إن قلنا بالثاني، لم يكن له الامتناع وهو الأَشْهَر، هذا بيان الخلاف في اشتراط معرفة المضمون له دون معرفة المضمون عنه؛ لأنه لا معاملة بينه وبين الضَّامِنِ، وزاد الإمام وَجْهاً رَابِعاً، وهو اشتراط معرفة المَضْمُون عَنْهُ دون المضمون له، وفي طريقة الصَّيْدَلاَنِيّ ما يقتضيه وَهُوَ غَرِيبٌ (١).

قال الغزالي: الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الضَّامِنُ وُيشْتَرَطُ فِيهِ صِحَّةُ العِبَارَةِ وَأَهْلِيَّةُ التَّبرُّعِ، وَيَصِحُّ (م) ضَمَانُ الزَّوْجَةِ دُونَ إِذْنِ الزَّوجِ، وَفي ضَمَانِ الرَّقِيقِ دُونَ إِذْنِ السَّيِّد وَجْهَانِ، فَإِنْ صَحَّ فَيُتْبَعُ بِهِ إِذَا عُتِقَ، فَإِنْ ضُمِنَ بِالأِذْنِ فَيَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ فِي وَجْهٍ، وَلاَ يَتَعَلَّقُ بِهِ في وَجْهٍ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ المَأْذُونِ فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرِهِ في وَجْهٍ.

قال الرَّافِعِىُّ: ضبط من يصح ضمانه بأن يكون صحيح العبارة أهلاً للتبرع.

أما صحة العبارة فيخرج عنه الصَّغِير والمَجْنُون والمُغْمَى عليه والمُبَرْسَم الذي يهذي، فلا يصح ضمانهم كَسَائِرِ التصرفات.

ولو ضَمِن ضَامِنٌ، ثم قال: كنت صبياً يوم الضَّمان، وكان محتملاً فالقول قول مع يمينه، وكذا لو قال: كنت مجنوناً وقد عرف له جنون سابق أو أقام عليه بينة، وإلا فالقولُ قولُ المضمونِ لَهُ مع يمينه.

وفي ضمان السكران الخلاف المذكور في سائر تصرفاته (٢) لاَ يَصِح ضَمَانُه، وَالأَخْرَس الذي إشَارَتُه مَفْهُومَةٌ، والأخرس الذي ليست له إشارة مفهومة يَصِح ضَمَانُه بِهَا كبيعه وسائر تصرفاته، وعن أبي الحُسَيْنِ: أن من الأصحَاب من أَبْطَلَه، وقال: لا ضرورة إلى الضَّمَان بخلاف سائر التَّصَرُّفَاتِ، ولو ضمن بالكِتَابَةِ فَوَجْهَانِ، سواء أحسن الإِشَارةَ أَمْ لاَ.

أظهرهما: الصِّحة، وذلك عند وجود القرينة المُشْعِرة بالمَقْصُود، ويجري الوَجْهَانِ في النَّاطِقِ وفي سَائِرِ التصرفات.

وأما أَهْلِيَّةِ التَّبرُّع فإنه قصد بها التحرز عن المَحْجُورِ عليه بالسَّفَهِ، ونحا: فيه نَحْوَ الإِمَامِ، بحيث قال المحجور عليه وإن كان تصح عبارته عند إذن وليه فَضَمَانُه مَرْدُودٌ،


(١) قال النووي: وإذا شرطنا قبول المضمون له فللضامن الرجوع عن الضمان قبل قبوله قاله في "الحاوي" لأنه لم يتم الضمان فأشبه البيع. ينظر الروضة ٣/ ٤٧٤.
(٢) قال النووي: هذا من السكران بمعصية فأما السكران بمباح فكالمجنون. ينظر الروضة ٣/ ٤٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>