باكتسابه، وعن الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ حكاية وَجْه غريب أنه يتعلق برقبته، وإن كان مأذوناً له في التجارة فيتعلق بِذِمَّتِهِ، أم كيف الحال؟ فيه وَجْهَانِ رتبهما الإمام على الوَجْهَيْنِ فِي غَيْرِ المأذون، وأولى بأن لا يحال على الذِّمَة لإشعار ظَاهِرِ الحَالِ بِخِلاَفِهِ، وعلى هذا فيتعلق بما يكتسبه من بعد إِذْنِهِ، وبما في يده من الرِّبحِ الحَاصِلِ أَمْ بَهِمَا، وبرأس المَالِ أيضاً؟ فيه وجوه أشبهها الثَّالِثُ، والوجوه التي أوردها صَاحِب الكتاب فيما إذا ضَمِن بالإذن تخرج من الترتيب الذي أشار إليه الإمام، فَعَلَى رأي إن كان مأذوناً له تعلق بكسبه وإلا لم يتعلق إلا بالذِّمة، وحيث قلنا: يؤدي مما في يده، فلو كان عليه دُيُونٌ ففيه ثلاث أوجه عن ابْنِ سُرَيْجٍ.
أحدها: أن المضمون له يشارك الغرماء؛ لأنه دين لزم بإذن المولى، فأشبه سَائِرَ الدُّيون.
والثاني: أن الضمان لا يتعلق بما في يده أصْلاً؛ لأنه كالمَرْهُونِ بحقوق الغُرَماء.
والثالث: أنه يتعلق بما فضل عن حقوقهم رعاية لِلْجَانَبِيْنِ، وهذا إذا لم يحجر القَاضِي عليه، فإن حجر باستدعاء الغرماء لم يتعلق الضَّمَانُ بما في يده لا محالة، والمدبر وأم الولد كالقِنِّ في الضَّمَانِ، وكذا من بعضه حر وبعضه رقيق، وإن لم يكن بينه وبين السيد مهايأة أو كانت وضمن في نوبة السيد، وإن لم يكن بينهما مهايأة، كما لو اشترى بنفسه شيئاً، ويجوز أن يخرج على الخلاف في المؤن والأكساب النَّادِرَة أنها هل تدخل في المهايأة؟ وضمان المكاتب بغير إذن السيد كضمان القِنِّ وبالإذن قالوا: هو على الخلاف في تبرعاته.
فرع: إذا ضمن العبد بإِذْنِ السَّيِّدِ، وأدى مَالَ الضَّمان في رقه فحق الرجوع للسَّيِّدِ، وإن أداه بعد ما عتق فَحَقّ الرجوع للعبد في أَصَحِّ الوجهين، ووجه الثَّانِي أن مَالَ الضَّمَانِ كالمستثنى عن اكتسابه فلا يستحقها بالعتق، ولو ضَمِنَ العَبْدُ شيئاً لسيدِهِ عن أجنبي لَمْ يَصِح لأنه يؤديه من كَسْبِهِ، وكسبُه لِسَيِّدِهِ، فهو كما لو ضَمِن المستحق لِنَفْسِهِ، ولو ضَمِن لأجنبي عن سيده، فهذا لم يأذن السَّيِّد فَهُوَ كَمَا لَوْ ضَمِنَ عَنْ أَجْنَبِي، وإن ضمن بإذنه صَحَّ، ثم إن أدى قَبْلَ العِتْقِ فلا رُجوعَ لَهُ، وإن أَدَّى بَعْدَهُ ففي رجوعه على السَّيِّد وَجْهَانِ بناء على الوَجْهَيْنِ فيما لو أَجَّرَ عبده ثم أعتقه، في أثناء المُدَّة هَلْ يرجع بِأُجْرَةِ المهثْلِ لبقية المدة؟ (١).
(١) قال النووي: لو ثبت على عبد دين بالمعاملة فضمنه سيده، صح كالأجنبي. ولو ضمن السيد لعبده ديناً على أجنبي، فإن لم يكن على العبد دين من التجارة، فالضمان باطل وإلا فوجهان، قاله في "الحاوى". ينظر الروضة ٣/ ٤٧٧.