للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخِلاَف في كفالة الأَبْدَان، والفرق أن حضور الخصم ليس مقصوداً في نفسه وإنَّما هو ذريعة إلى تَحْصِيل المَالِ، فالتزام المقصود أولى بالصِّحَّة من التزام الذَّرِيعَة، وإن جوزنا وبه قال أَبُو حنيفة وأحمد فردّها بَرِئ من الضَّمَانِ، وإن تلفت وتعذر رَدّها فهل عَلَيْهِ قيمتها؟ فيه وجهان كالوجهين في وجوب الغُرْم على الكَفِيل إذا مات المكفول بِبَدنِهِ، فإن أوجبنا فَيَجِبْ في المَغْصُوب أقْصَى القيَم، أم قيمته يوم التَّلَف؛ لأن الكفيل لَم يكن متعدياً؟ حكى الإمام فيه وَجْهَيْنِ (١).

ولو ضمن تسليم المبيع وهو بعد بيد البَائِع جرى الخِلاَف في الضَّمَانِ إن صححناه، وتلف انفسخ البيع، فإن لم يوف المُشْتَرِي الثَّمن لم يطالب الضَّامِن بِشَيْءٍ، وإن كان قد وفاه، عَادَ الوَجْهَان في أن الضَّامِن هل يَغْرَم؟ فإن غرمناه فيغرم الثَّمن أو أقل الأمْرَيْنِ من الثَّمَنِ وقيمة المبيع؟ فيه وَجْهَانِ أظهرهما: أولهما. والتصوير الثَّانِي: أن يضمن قيمتها لو تلفت، قال في "التهذيب": يبنى ذلك على أن المكفول ببدنه إذا مات هل يغرم الكَفِيل الدَّيْن؟ إن قلنا: نعم صح ضَمَان القِيمَة لو تلفت العَيْن، وإلا لم يَصِح، وَهُو الأَصَحُّ، وأيضاً فإن القيمة قبل تلف العَيْنِ ليست بِوَاجِبَةٍ، فيكون مَا لَمْ يجب، وإن لم تكن العين مضمونة على صَاحِب اليد كالوديعة ومال الشَّركة والمَالِ في يد الوَكِيل والوصي لم يصح ضمانها؛ لأنها غير مضمونة العين، ولا مضمون الرد، وإنما الذي يجب على الأَمين مجرد التخلية. ولو تكفل ببدن العَبْدِ الجَانِي جناية توجب المال فهو كما لو ضمن عيناً من الأعيان.

ومنهم: من جَزَمَ بِالمَنْعِ، والفرق أن العَيْنَ المضمونة مستحقة ونفس العبد ليست بمستحقة، وإنما المقصود تحصيل الأَرْش من بدله، وبدله مجهول.

ولو باع ثوباً بِشَيْءٍ أو دراهم معينة فضمن ضامن عهدة المبيع حتى إذا خرج مستحقاً رد عليه الثمن، وهو قائم في يد البائع فهذا من صُور ضمان الأعيان، وإن تلف في يَدِ البائع فضمن قيمته، فهو كما لو كان الثّمن في الذِّمة وضمن العُهْدَة.

ولو رهن ثوباً من إنسان ولم يقبضه، فضمن رجل تسليمه لَمْ يَصِح؛ لأن ضمانه ضمان ما ليس بلازم. أما لفظ الكتاب فقد وقع في ترتيبه بعض التغيير لا عن غفلة، ولكنه اكتفى بالشرح.

وقوله: (ويصح كفالة البدن) مُعلَّم بالواو.

وقوله: (عن كل من وجب عليه الحضور بمجلس الحكم) هو الضبط الذي ذَكَرَه


(١) قال النووي: الثاني أقوى. ينظر الروضة ٣/ ٤٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>