أما جوابه فيما إذا طالب ورثة الضَّامِن الثَّاني، فقد غلطه الأصْحَاب فيه من جهة أنه أتلف مِنْ مَالِ الثَّانِي ثلاثين؛ لأنه أخذ منهم سَبْعِين، وأثبت لهم الرجوع بِأَرْبَعِين، وكان البَاقِي عندهم عِشْرين، فالمجموع سِتّون، ولم يتلف من مَالِ الأَول إلا عشرة؛ لأنه أخذ منهم أَرْبَعِين، وأثبت لهم الرُّجوع بثلاثين، ومعلوم أن الضَّامن الثاني إنما ضَمِن لهم تسعين عَمَّنْ يملك تسعين، والأول ضمن تسعين عمن يملك خمسةً وأربعين فكيف يؤخذ من الثاني أكثر مما يؤخذ من الأَوَّل؟ ثم اختلفوا في الجواب فقال الأستاذ أَبُو مَنْصُور في "الوصايا" يأخذ صَاحِبُ الحَقِّ من ورثة الضَّامِن الثاني خَمْسَةً وَسَبْعِينَ، ويرجعون بمثلها على وَرَثَةِ الأَوَّلِ، ويرجع ورثةُ الأَوَّلِ عَلَى وَرَثَةِ الأَصِيلِ بِتَرِكَتِهِ وهي خَمْسَةٌ وأربعون، فيكون جملة ما معهم سِتِّين خمسة عشر من الأَصِيل، والباقي من العِوَض، وذلك مثلا الثلاثين التَّالِفة عَلَيْهِم، ولم يثبت لِصَاحِبِ الحَقِّ مطالبة ورثة الثَّانِي بكمال الدَّيْنِ، وقال القَفَّالُ والأكْثَرُونَ: له مطالبة وَرثة الثَّانِي بجميع الدَّينِ، ثم هم يرجعون على ورثة الأَوَّل بخمَسةٍ وسَبْعِينَ يتلف عليهم خَمْسَة عشر للضَّرورة، ويرجع ورثة الأول على ورثة الأَصِيل بتركته، كما ذكره الأُسْتَاذُ، وقال الإمام رحمه الله: كأنَّ الأستاذَ اعتقد أن الضمان الأول لاَ يَصِح إلا في قَدرٍ لو رجع معه في تركة الأصيل لما زاد التَّالِف من تركته على ثُلُثِهَا، وإذا لم يَصِحّ ضَمَانُه فِيمَا زَادَ لَمْ يَصِح ضَمَان الثَّانِي عَنْهُ، والآخرون قالوا: إنما لاَ يؤخذ أكْثَر من الثُّلُثِ بِحَقٌ الورثة، لكنه صَحِيحٌ في الجَمِيع متعلق بذِمَّتِهِ، فيكون ضَمَانُ الثَّانِي عنه فيما زَادَ كَالضَّمَانِ عَنِ المُعْسِر، ويجب أن يكون هَذَا الَخِلاَف جَارياً في مطالبتهم بتتمة التِّسْعِين، إذا طَالَب أولاً ورثة الضَّامِن الأَوَّل، وإن لم يذكر ثَمّ، وإن أخذ المستحق أولاً تركة الأَصِيل بَرِئَ الضَّامِنَانِ عَنْ نِصْفِ الدَّيْنِ، ثم المستحق على جواب الأكثرين إنْ شَاءَ أخذ مِنْ وَرَثَةِ الأَوَّلِ ثَلاَثِينَ، ومن وَرَثَةِ الثَّانِي خَمْسَةَ عَشَرَ، وإن شاء أخذ الكُلَّ من ورثة الأَول ولا رُجوع، وإن شَاء أخذها من وَرَثَة الثَّانِي، وهم يرجعون على ورثة الأول بثلاثين، فَيَصِل إلى تَمَامِ حَقِّه بالطريقين.
وعلى جواب الأستاذ: ليس له من الثَّاني إلا ثلاثون، إن شاء أخذها من ورثة الأول ولا رجوع وإن شَاء أَخَذ مِنْ وَرَثَةِ الثَّانِي، وهم يرجعون على وَرَثَةِ الأَوَّلِ.