ويلزمان من غُرْم ويحصل لهما من غُنْم، وهي بَاطِلَة خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله- حيث قال: تصح بشرط أن يستعملاَ لفظ المفاوضة، فيقولا: تفاوضنا أو اشتركنا شركة المفاوضة، وإن استويا في الدّينِ والحرفة، فلو كان أحدهما مُسْلماً والآخر ذِمِّيّاً، أو أحدهما حراً والآخر مكاتباً لَمْ يَصِح، وإن استويا في قَدْرِ رأسِ المَالِ، وأن لا يملك واحِدٌ منهما مِنْ جنس رَأْسِ المَالِ إلا ذلك القَدْر، ثم حكمها عِنْده، وأن ما اشتراه أحدهما يقع مشتركاً، إلا ثلاثة أشياء: قوت يومه، وثياب بَدَنِه، وجارية يَتَسَرَّى. بِهَا، وإذا ثبت لِأَحَدِهِمَا شفعة شَارَكَ صَاحَبَه، وما ملكه أحدهما بِإِرْثِ أو هبة لا يُشَارِكُهُ الآخر فيه، فإن كان فِيهِ شَيْءُ من جِنْسِ رَأَسِ المَالِ، فسدت شَرِكةُ المُفَاوَضَةَ وانقلبت إلى شَرِكَةِ العِنَانِ.
وما لزم أحدهما بِغَضْبٍ أو بيع فَاسِدٍ، أو إتلاف، كان مشتركاً إلا الجِنَاية على الحُرّ، وكذا بدل الخُلْعِ والصَّداق إذا لزم أحدهما لم يؤاخذ به الآخر، ووجه المَذْهَبِ في المَسْأَلَة ظَاهِرٌ، قال الشَّافِعِيّ -رضي الله عنه- في اختلاف العراقيين: ولا أعرف شيئاً في الدُّنْيَا يَكونُ بَاطِلاً إن لم تكن شركة المفاوضة بَاطِلَة، يعني لما فيها من أنواع الغَرَرِ والجهالة الكثيرة.
فرع: لو استعملا لفظة المفاوضة، وأراد شَرِكَةَ العِنَانِ جَازَ، نص عليه، وهذا يقوي تَصْحِيح العقود بالكِنَايَاتِ.
الثالثة: شركة الوُجُوهِ، وقد فسرت بمعان:
أشهرها: أن صورتها أن يشترك رَجُلاَنِ وجيهان عند النَّاسِ، ليبتاعا في الذمة إلى أَجَل على أن ما يبتاعه كُلُّ واحدٍ منهما يكون بينهما، فيبتعاه ويؤديا الأثمان، فما فضل فَهُوَ بينهما.
والثاني: أن يبتاع وَجِيهٌ في الذِّمَّة ويفوض بيعه إلى خَامِلٍ، وشرط أن يكون الربح بينهما.
والثَّالِث: أن يشترك وجيهٌ لا مَالَ لَهُ وخَامِلٌ ذِو مَالٍ ليكون العمل من الوَجِيه والمالُ مِنَ الخَامِل، ويكون المَالُ في يده، ولا يسلمه إلى الوَجِيه والرِّبْح بَيْنَهُمَا، وهذا تَفْسِيرُ القَاضِي ابْنِ كِجٍّ والإمام، ويقرب منه ما ذكره صَاحِبُ الكِتَاب وهو: أن يبيع الوَجِيهُ مَالَ الخامل بِزِيَادَةِ رِبْحٍ، ليكون بَعْضُ الرِّبْحِ لَهُ، وهي على المَعَانِي بَاطِلَة، إذ ليس بينهما مَالٌ مشترك يرجع إليه عند المُفَاضَلة، ثم ما يشتريه أحدهما في الصّورة الأولى والثانية فهو له يختص به وربحه وخُسْرَانه، ولا يشاركه فِيهِ الآخر إلا إذا كان قَدْ صَرَّحَ بالإذن في الشَّراء بما هو شرط التوكيل في الشَّراء، وقصد المشتري توكيله.