وعند أبي حنيفة -رحمه الله- يقع المشتري مشتركاً بمجرد الشركة، وإن لم يوجد قَصْد من المُشْتَرِي ولا إذن من صَاحِبهِ.
وأما الصورة الثالثة: فهي ليست بِشَرِكَةٍ في الحَقِيقَةِ، وإنما هي قَرَاضٌ فَاسِدٌ لاستبداد المالك باليَدِ، فَإِن لم يكن المالُ نقداً زاد الفسادُ وجهاً آخر.
وأما ما أورده في الكتاب فحاصله الإذن في البَيْعِ بِعِوَضٍ فَاسِدٍ، فيصح البَيْعُ من المَأَذُونِ ويكون له أجْرَةُ المِثْلِ، وجميع الثَّمَنِ لِلْمَالِكِ.
واعلم أنه إنما عقب أركان شركة العِنَانِ بذكر أنواع الشَّركةِ الفَاسِدَةِ؛ لأنه قد تَبَيَّنَ في خِلاَل الأركان اشتراط شيوع رأس المال وارتفاع التمييز، فأراد الإِشَارَةَ إلى أن فَسَادِ هَذِهِ الأنْوَاع لاختلال هذا الشَّرط، وتميز ما هو رَأس المَالِ فيها أو ما هو في شِبْهِ رَأْسِ المَالِ، ويتعلق بهذه القاعدة صُوَرٌ أُخَر، منصوصة في البويطي:
منها: لواحد بَغْلة ولآخر راوية، تشاركَا مع ثالثٍ لِيَسْقي الثَّالِثُ الماء، ويكون الحَاصِلُ بَيْنَهُمْ فهو فَاسِد؛ لأنها منافع أبدان متميزة، فلو جروا عليه وأسْقَى الثالث الماء، فلمن يكون الماء؟ نقل صاحب "التلخيص" وآخرون فيه اختلاف قولٍ ولم يحمد المعظم تِلْكَ الطريقة، وإنما ارتضوا تفصيلاً ذكره ابْنُ سُرَيْجٍ، وهو إن كان الماء مملوكاً للمستقي أو مباحاً لكنه قصد به نَفْسَه فهو له، وعليه لِكُلِّ وَاحِدٍ من صاحبيه أجرة المِثْلِ أيضاً، وإن قصد به الشَّرِكَة، فهو على الخِلاَفِ في جواز النَّيَابَةِ في تملك المُبَاحَاتِ، وسنذكره في الوَكَالَةِ، فإن لم نُجَوز فَهُوَ لِلْمُسْتَقِي، وعليه أجرة المِثْلِ لصاحبه أيضاً، وإن جوزنَا وهو الأَصَح، فالمَاءُ بينهم، وفي كيفية الشَّرِكَة وَجْهَان:
أحدهما: أنه يقسم بينهما على نِسْبَةِ أجور أَمْثَالِهِمْ؛ لأنه حَصَلَ بِالْمَنَافِع المختلفة، وهذا ما أورده الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، ويحكى عن نَصِّه في البويطي.
وأصحهما: عند الشَّيْخُ أَبِي عَلِيّ ولم يورد القَفَّالُ غيرَه: أنه يقسم بينهم بالسوية إتباعا لِقَصْدِه، فَعَلَى هذا للمستقي أن يطالب كل واحد من صاحبيه بِثُلُثِ أجرة منفعته؛ لأنه لم ينصرف منها إليه إلا الثُّلث، وكذلك يرجع كل واحد من صَاحِبَي البَغْلَة والرَّاوية على كل وَاحِدٍ من الأخير والمستقي بثلث أجرة منفعة مِلْكِهِ، وعلى الوجه الأول لا تراجع بينهم في الأُجْرَة.
ولو استأجر رجلٌ راويته من صَاحِبِهَا، والبَغْلَةَ من صَاحِبِهَا والمستقى يحمل الماء وهو مباح، نظر إن انفرد كل واحد بِعَقْدٍ صَحّ، والماء لِلْمُسْتَأْجِر، وإن جمع بين الكُلِّ في عقد واحد ففي صحة الإجارة قولان، كما لو اشترى عَرَضاً لِرَجُلٍ وعرضاً لآخر منهما بِثَمَنٍ وَاحِدٍ، إن صححنا وُزِّعَتِ الأُجْرَة المسماة على أجُورِ الأَمْثَالِ، وإلا فلكل