للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد أجرة المِثْلِ عليه، ويكون المَاءُ المستقي صَحَّحْنَا الإجارة أو أفسدناها، أما إذا صَحَّحْنَاهَا فَظَاهِر.

وأما إذا أَفْسَدْنَاهَا، فلأن منافعهم مضمونة بأُجْرَةِ المِثْلِ، ذكره الإمام، فإن نَوَى المستقي نفسه وفرعنا على فَسَادِ الإِجَارَةِ، فعن الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ: أنها تكون للمُسْتَأجر أيضاً، وتوقف الإمَامُ فيهِ؛ لأن منفعته غير مستحقة للمُسْتَأْجِرينَ، وقد قصد نَفْسَه فليكن الحَاصِلُ لَهُ، وموضع القولين ما إذا وردت الإِجَارة على عَيْنِ المُسْتَقى، والبَغْلَة والرواية. فاما إذا ألزم ذمتهم نقل المَاء، صَحَّتَ الإجارة لاَ مَحَالة، إذ ليست هاهنا أعيان مختلفة يفرض جهالة في أُجُوِرِهَا، وإنما على كُلِّ واحِدٍ منهم ثُلُثُ العَمَلِ.

ومنها: لو اشترك أربعة لأحدهم بيت رحا، ولآخر حَجَر رَحَا، ولآخر بَغْلة تديره، والرابع يَعْمَل في الرَّحا، على أن الحَاصِلَ من أجرة الطَّحْنِ بينهم، فهو فَاسِدِ، ثم إن استأجر مالك الحنطة العامل والآلات من مَالِكها، وأفرد كل واحد بِعَقْدٍ لزمه ما سَمّى لكل واحدٍ منهم، وإن جمع بين الكُلِّ في عقد واحد فإن ألزم ذمتهم الطَّحْنَ صَحَّ العقد، وكانت الأجرة بينهم أرباعاً يتراجعون بأجرة المثل؛ لأن المنفعة المملوكة لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم قد استوفى ربعها، حيث أخذ رُبُعُ المُسَمَّى وانصرف ثلاثة أرباعها إلى أصْحَابهِ، فيأخذ مِنْهُم ثلاثة أرباع أجْرَة المِثْلِ، وإن استأجر عَيْن العامل وأعيان الآلات، ففيه الَقَوْلاَن المذكوران في أن الصّورة السَّابقة إن أفسدنا الإجارة، فلكل وَاحِدٍ أجرة مِثْله، وإن صَحَّحْنَاها وزع المُسَمى عليهم، ويكون التَّراجع بينهم على ما سبق، وإن ألزم المَالِكِ للحِنْطَة ذِمَّة العَامِل الطحن لزمه، وعليه إذا استعمل مالأصحابه أجرة المِثْل لهم إلا أن يستاجرها بعقد صحيح فعليه للمسمى.

ومنها: لواحد البِذْر، ولآخر آلة الحَرْث، ولآخر الأرض، واشتركوا مع رابع لِيَعْمل، ويكون الزَّرْع بينهم، فالزرْع لِصَاحِبِ البذر، وعليه لِأَصْحَابِهِ أجرة المثل، قال في "التتمة": فلو أصاب الزرع آفة ولم يحصل من الغِلَّةِ شَيْءٌ فلا شيء لهم؛ لأنهم لم يحصلوا له شيئاً ولا يخفى عدول هذا الكلام عن القياس الظَّاهر (١). والله أعلم.

قال الغزالي: وَحُكْمُ الشَّرِكَةِ تَسْلِيطُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلى التَّصَرُّفِ بِشَرْطِ الغِبْطَةِ مَعَ الجَوَازِ حَتَّى يَقْدِرَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى العَزْلِ، وَتَنْفَسِخُ بِالجُنُونِ وَالمَوْتِ.

قال الرَّافِعِيُّ: هذا أول القول في أحكام الشَّرِكة، والفَصْل ينظم حكمين:

أحدهما: أن الشركة بالمعنى المَعْقُود لهذا الباب إِذَا تمت ووجد الإِذْن من


(١) قال النووي: الذي قاله في التتمة هو الصواب. ينظر الروضة ٣/ ٥١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>