ووجه التفاوت بين الطريقين: أنهما عللا المنع بإرسال لفظ القليل والكثير، وترك إضافتها حتى ذكروا وجهين، فيما إذاً أضافهما إلى نفسه والآخرون سَوَّوا بين ما إذا أرسل، وبين ما إذا أضاف، ولم ينقلوا الخلاف في واحد من القسمين، وعللوا بأن في تجويز هذه الوكالة غرراً وضرراً عظيماً لا حاجة إلى احتماله، وهذه الطريقة أصح نقلاً ومعنى. وأما النقل، فلأن الشَّافعي -رضي الله عنه- في "اختلاف العراقيين": وإذا شهد الرجل لرجل، وإنه وكله بكل قليل وكثير له، فالوكالة غير جائزة، نص على المنع مع وجود الإضافة.
وإما المعنى، فلأن الإنسان إنما يوكل فيما يتعلق به، سواء نص على الأضافة إلى نفسه، أو لم يَنُصَّ، ولهذا لو قال وكلتك بشراء هذا لم يحتج إلى أن يقول: لي.
وإما الوكالة الخاصة ففيها صور:
منها: أن يوكل في بيع جميع أمواله أو قضاء ديونه، أو استيفائها، وقد نقلنا صحته عن الطريقين، وهل يشترط أن تكون أمواله معلومة.
قال في"التهذيب": لو قال: وكلتك ببيع جميع مالي، وكان معلوماً، أو قبض جميع ديوني، وهو معلوم، فهذا التفسير يشعر بالاشتراط الأشبه خلافه، فإن معظم الكتب لا تتعرض لهذا الاشتراط.
وفي "الفتاوى القَفَّال" أنه لو قال: وكلتك باستيفاء ديوني التي على الناس جاز مجملاً، وإن كان لا يعرف مَنْ عليه الدين أنه واحد أو أشخاص كثيرة، وأي جنس ذلك الدين، وإنما لا يجوز إذاً لم يبين ما يوكل فيه بان يقول: وكلتك في كل قليل وكثير، وما أشبهه، هذا لفظه.
في "الرقم" لأبي الحسن العَبَّادِيَّ: أنَّهُ لو قال: بيع جميع أموالي صح؛ لأنه أعلم بالجملة، ولو قال: بيع طائفة من مالي، أو بعضه، أو سهماً منه لم يصح لجهالته بالجملة، فكأن الشرط أن يكون الموكل فيه معلوماً، أو بحيث تسهل معرفته.
ولو قال: بع ما شئت من مالي، أو أقبض ما شئت من ديوني، جاز، ذكره صاحب "المهذب" و"التهذيب"(١).
(١) قال النووي هذا المذكور عن "المهذب" هو الصحيح المعروف. قال في"التهذيب": ولا يجوز أن يبيع الكل إلا أن يقبض الكل. وأما قول صاحب "الحلية"، ففي "البيان" أيضاً عن ابن الصباغ نحوه، فإنه قال: لو قال: بع ما تراه من مالي، لم يجز. ولو قال: ما تراه من عبيدي، جاز، وكلاهما شاذ ضعيف. وهذا النقل عن "الحلية"، إن كان المراد به "الحلية" للروياني فغلط، فإن الذي في "حلية" الروياني: لو قال: بع من عبيدي هؤلاء الثلاثة من رأيت، جاز، ولا يبيع =