يملك تسليم المبيع، وكيف لا وتسليم المبيع دون قبض الثمن فيه خطر ظاهر، ولو كان قد صرح له بهما لم يملك التسليم، مالم يقبض الثمن، وعلى هذا جرى صاحب "التهذيب" وغيره (١).
ولا خلاف في أن الموكل بعقد الصرف يملك القبض والإقباض؛ لأنه شرط صحة العقد وكذلك في السلم يقبض وكيل المسلم إليه رأس المال ووكيل المسلم يقبضه إياه لا محالة.
إذا تقرر ذلك، ينظر إن باع الوكيل بثمن مؤجل، بحيث يجوز له ذلك سلم المبيع، إذ لا ينسب للبائع حق الحبس عند تاجيل الثمن، ويجيء على ما ذكره الشيخ وجه مانع من التسليم، لا لغرض الحبس، لكن لأنه لم يفرضه إليه، ثم إذا أجل الأجل لم يملك الوكيل قبض الثمن، إلاَّ بإذن مستانف، وإن باعه بثمن حالٍّ، وجوزنا القبض، فلا يسلم المبيع حتى يقبض الثمن، كما لو أذن فيهما صريحاً، فله مطالبة المشتري بتسلم الثمن، فإن لم نجوز له القبض لم يكن له المطالبة، وللموكل المطالبة بالثمن على كل حال، خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله تعالى، ولو وكله بالبيع، ومنعه من قبض الثمن لم يكن له القبض لا محالة، ولو منعه من تسليم المبيع، فمشكل في جواب الشيخ في شرح الفروع.
وقال قائلون: هذا الشرط فاسد، فإن التسليم مستحق بالعقد، ورووا عن إِبي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وغيره وجهين في أن الوكالة، هل تفسد به حتى يسقط الجُعل المسمى ويقع الرجوع إلى أجرة المثل؟ ووجه الإمام رحمه الله تعالى وجه سقوطه، بأن استحقاقه مربوط بالبيع، والامتناع من التسليم، وكان مقابلاً بشيء صحيح، وشيء فاسد، فليفسد المسمى. والحق أن يقال: المسألة مبنية على أن في صورة الإطلاق هل للوكيل التسليم أو لا؟ إن قلنا: لا فعند المنع أولى.
وإن قلنا: نعم فكذلك؛ لأنه من توابع العقد وتمامه، كالقبض، لا لأن تسليمه مستحق بالعقد، فإن المستحق هو التسليم [بعينه] والممنوع منه تسليمه، نعم لو قال: أمنع المبيع منه، فهذا الشرط فاسد؛ لأن منع الملك عن المالك، حيث يستحق إثبات اليد عليه غير جائز، وفرق بين أن يقول: لا تسلمه إليه، وبين أن يقول: أمسكه، وامنعه منه. وأما الوكيل بالشراء، فإن لم يسلم الموكل الثمن إليه، فاشترى في الذمة، فسيأتي الكلام في أن المطالبة بالثمن على من تتوجه؟ في الحكم الثاني من الباب إن شاء الله
(١) قال النووي الأصح: جواز تسليمه، ولكن بعد قبض الثمن، فهذا هو الراجح في الدليل، وفي النقل أيضًا، وقد صححه الرافعي في "المحرر". ينظر الروضة ٣/ ٥٤٠.