للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى وإنْ سلمه إليه، واشترى بعينه، أو في الذمة، فالقول في أنه هل يسلمه؟ وهل يقبض المبيع بمجرد التوكيل في الشراء؟ كالقول في أن وكيل البائع هل يسلم المبيع، ويقبض الثمن بمجرد التوكيل بالبيع؟

وهكذا هو في "التهذيب" و"التتمة" ولفظ الكتاب يشعر بالجزم بتسليمه الثمن، وقبض المبيع.

ووجَّهه في "الوسيط" بأن العرف يقتضي ذلك (١)، ويدل عليه وأيضاً فإن الملك في الثمن لا يتعين إِلاَّ بالقبض، فيستدعي إذناً جديداً. وأما المبيع فإنه متعين للملك، ولمن طرد الخلاف أن يمنع العرف الفارق بين الطريقين، وأما المعنى الثاني، فلو كان به اعتبار لوجب أن يجزم بقبض وكيل البائع الثمن، إذا كان معيناً، ولم يفرقوا في رواية الوجهين بين أن يبيع بثمن معين، أو في الذمة.

وقوله في الكتاب: "وبعد التوفير لا يجوز له المنع، فإنه حق الغير" أراد به ما ذكره الإمام -رحمه الله تعالى- من أن المشتري إذا وفر الثمن على الموكل، أو على الوكيل إذا جوزنا له القبض، فالوكيل يسلمه المبيع، وإن لم يأذن له الموكل في تسليمه، لأن أداء الثمن إذاً وفر صار قبض المبيع مستحقًّا، وللمشتري الانفراد بأخذه، فإن أخذه المشتري، فذاك، وإن سلّمة الوكيل. والأمر محمول على أخذ المشتري، ولا حكم للتسليم، ثم قرب من الخلاف في أن الوكيل بالبيع، هل يقبض الثمن الخلاف في مسألة أخرى؟ وهي أن الوكيل باستيفاء الحق هل يثبته أو بإثباته هل يستوفيه أما أن الوكيل بالاستيفاء وهل يثبت ويقيم البينة عند إنكار من عليه؟ فيه وجهان عن ابْنِ سُرَيْجِ:

وأصحهما: لا؛ لأنه لم يوكل إلاَّ بالقبض، وقد يرضى للقبض من لا يرضاه للخصوصة.

والثاني: نعم؛ لأنه لا يتمكن من الاستيفاء عند إنكار مِنْ عليه الإثبات، فليمكن مما يتوصل به إلى الاستيفاء، ولا فرق على الوجهين بين أن يكون الموكل باستيفائه عيناً أو ديناً. وقال أبُو حَنِيْفَةَ رحمه الله تعالى: إنْ كان ديناً ملك الإثبات، وإن كان عيناً لم يملكه. وأما إن الوكيل بالإثبات، هل يستوفي بعد الإثبات؟ فيه طريقان:

أحدهما: أن فيه وجهين أيضاً، كالوجهين في أن الوكيل بالبيع، هل يملك قبض الثمن، لأنه من توابع الإثبات، ومقاصده، كقبض الثمن بالإضافة إلى البيع؟


(١) قال النووي الصحيح: القطع بالجواز وهو الذي جزم به صاحب "الحاوي" والأكثرون وقال صاحب "الشامل": يسلم الثمن قطعاً، ويقبض المبيع على الاصح، ففرق بينهما. ينظر الروضة ٣/ ٥٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>