يساويه إلى ذلك الأجل حالاً، نظر إن كان في وقت لا يؤمن فيه من نَهْبٍ، أو سرقة، أو كان لحفظه مؤنة في الحال لم يصح أيضاً، وإن لم يكن شيء من ذلك، فوجهان:
أحدهما: المنع أيضاً، فإنه ربما كان يحتاج إلى الثمن في ذلك الوقت، ويخاف من التعجيل خروجه في نفقة.
وأصحهما: على ما ذكره في "التهذيب" الجواز؛ لأنه زاد خيراً، ولا فرق فيما ذكره بين ثمن المثل عند الإطلاق، وبين ما يقدره من الثمن، بأن قال: بع بمائة نسيئة، فباع بمائة نقداً، كما صور في الكتاب، ولو قال: بع بكذا إلى شهرين، فباعه إلى شهر، ففيه وجهان، ولو قال: اشترِ حالاً، فاشتراه مؤجلاً، نظر إن اشتراه بما يرغب به فيه حالاً إلى ذلك الأجل لم يصح الشراء للموكل؛ لأنه يكون أكثر، وإن اشتراه بما يرغب به فيه حالاً إلى ذلك الأجل فوجهان، كما في طرف البيع: وجه الجواز ما مر.
ووجه المنع أنه ربما يخاف هلاك المال وبقاء الدين في ذمته.
قال أبُو سعِيد المتولي: هذا إذا قلنا إن مستحق الدَّيْنِ المؤجل إذا عجل حقه يلزمه القبول. أما إذا قلنا: لا يلزمه القبول لا يصح الشراء هاهنا للموكل بحال، وذكر هو وغيره تخريجاً على المسألة التي نحن فيها أن الوكيل بالشراء مطلقاً لو اشترى نسيئة بثمن مثله جاز؛ لأنه زاد خيراً، والموكل بسبيل من تفريغ ذمته بالتعجيل (١).
وقوله في الكتاب. "لأن التفاوت فيه يشبة اختلاف الجنس" أي: في النقد والنسية، إنما يشبهه باختلاف الجنس؛ لما بين الدَّيْنِ والعَيْنِ، أو بين الحالّ والمؤجل من شدة اختلاف الأغراض، وهذا توجيه وجه المنع في صورتي البيع والشراء، ولذلك عقبه بقوله:"ولا خلاف أنه لو قال: بيع بألف درهم، فباع بألف دينار لم يجز"، وإنما كان كذلك؛ لأن المأتيّ به ليس هو المأمور به، ولا هو مشتمل على تحصيل ما أمر بتحصيله، والوكيل متصرف بالإذن فإذا عدل عن المأذون فيه لغا تصرفه.
وأما قوله:"وفيه احتمال" -فقد أورد القاضي ابْنُ كَجٍّ نحواً منه، وليس له ذكر في "الوسيط"، ولا في كتاب الإمام رحمه الله تعالى، ويمكن توجيهه بأنا عرفنا بالتوكيل رغبته في البيع، ومن رغب في البيع بالدراهم، فهو في البيع بمثل عددها من الدنانير ارغب هذا هو العرف الغالب، وكما أن البيع بالدنانير غير المأذون فيه، وهو البيع بالدراهم، كذلك البيع بالمائتين، غير المأذون فيه، وهو البيع بالدارهم كذلك البيع
(١) قال النووي هذا المنقول أولاً عن "التتمة" قد عكسه صاحب "الشامل" فقال: هذا الخلاف حيث لا يجبر صاحب الدين على قبول تعجيله، وحيث يجبر يصح الشراء قطعاً. وهذا الذي قاله أصح وأفقه وأقرب إلى تعليل الأصحاب. ينظر الروضة ٣/ ٥٤٨.