للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا قلنا بصحة الشراء فيهما للموكل، فلو باع الوكيل إحداهما عن غير إذن الموكل، ففي صحة البيع قولان عن ابْنِ سُرَيجٍ.

أحدهما: المنع؛ لأنه لم يأذن في البيع فأشبه ما إذا اشترى شاة بدينار، ثم باعها بدينارين.

والثاني أنه يصح؛ لأنه إذا جاء بالشاة، فقد حصل مقصود الموكل، فلا فرق فيها زاد بين أن يكون ذهباً، أو غيره، وعلى هذا يخرج ما إذا اشترى شاة بدينار، وباعها بدينارين، ويقال: هذا الخلاف هو بعينه القولان في بيع الفضولي، فعلى القول الجديد يلغو، وعلى القديم ينعقد موقوفاً على إجازة الموكل (١).

واعلم أن صورة المسألة شراءً وبيعاً قد نقل في حديث عُرْوَةَ البَارَقَيِّ -رضي الله عنه- وهو مذكور في أول البيع في مسألة بيع الفضولي، واحتج بهذا الحديث لكل واحد من القولين في أصل المسألة، إما للقول الأصح، فلأن النبي -صلَّى الله عليه وسلم- قرره على شرائهما، وألزم العقد فيهما.

وأما للقول الثاني، فلأن الشاتين لو وقعتا للنبي -صلى الله عليه وسلم- لما باع إحداهما قبل مراجعته, لأن الإنسان لا يبيع مال الغير كيف وقد سلم وتصرف الفضولي؟ وإن حكم بإنعقاده، فلا كلام في أنه ليس له التسليم قبل مراجعة المالك وإجازته، فلما باع إحداهما دل على أنها دخلت في ملكه، وقد يقال: هب أن واحدة منهما ملكه، لكنها لا تتعين كما لم يختر الموكل واحدة منهما، أو يجري فيهما اصطلاح في ذلك، وإذا لم تكن التي ملكها معينة، فكيف يبيع واحدة منهما على التعيين، ثم القائلون بالقول الأول، والاحتجاج الأول، احتج من ذهب منهم إلى صِحَّة إحدى الشاتين بالحديث، ومن منع حمل القضية على أن عُرْوَةَ كان وكيلاً مطلقاً من جهة النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيع أمواله إذا رأى المصلحة فيه، ولكن في هذا التأويل بحث لأنه إن كان قد وَكَّلَهُ في بيع أمواله لا يدخل فيه ما لم يملكه من بعد، وإن قبل وكله في بيع أمواله وما سيملكه وقع في الخلاف المذكور في التوكيل ببيع ما سيملكه، إلاَّ أن يقال ذلك الخلاف فيما إذا


(١) قال النووي الأظهر: أنه لا يصح بيعه. قال أصحابنا: ولو اشترى به شاتين، تساوي إحداهما ديناراً، والأخرى بعض دينار، فطريقان. الأصح منهما عند القاضي أبي الطيب والأصحاب: صحة البيع فيهما جميعاً، ويكون كما لو ساوت كل واحدة ديناراً على ما سبق. فعلى الأظهر: يلزم البيع فيهما جميعاً للموكل، وبه قطع المحاملي وغيره. والطريق الثاني: لا يصح في حق الموكل واحدة منهما. فعلى الأظهر: لو باع الوكيل التي تساوي ديناراً، لم يصح قطعاً، وإن باع الأخري، فعلى الخلاف. وإن قلنا: للوكيل إحداهما، كان له التي لا تساوي ديناراً بحصتها، وللموكل انتزاعها كما سبق ينظر الروضة ٣/ ٥٤٩، ٥٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>