ما دام حاضراً اعتماداً على العيان، فإذا غاب وأراد الوكيل الخصومة عنه، بناء على اسم وسبب يذكره، فلا بد من إقامة البينة، على أن فلان بن فلان وكله أو على أن الذي وكله هو فلان ابن فلان كذا ذكره أصحابنا العراقيون، والشيخ أَبُو عَاصِمٍ العَبَّادِيُّ، وعبارة العَبَّادِيِّ أنه لا بد، وأن يعرف الموكل شاهدان يعرفهما القاضي، ويثق بهما ذكره في مختصر صنعه في "أدب القضاة"، ووراء ذلك شيئان:
أحدهما: روى الإمام رحمه الله تعالى عن القاضي الحسين أن الحكام عادتهم التساهل في هذه البينة بالعدالة الظاهرة، وترك البحث والاستزكاء تسهيلاً على الغرماء.
والثاني: قال القاضي أبو سعد بن أبي يوسف في شرح "مختصرالعبادي": يمكن أن يكتفي بمعرِّف واحد إذا كان موثوقاً به، كما ذكر الشيخ أَبُو مُحَمَّدٍ أن تعريف المرأة في تحمل الشهادة عليها يحصل بمعِّرف واحد؛ لأنه إخبار وليس بشهادة. (١)
وأما ما أدرجه في خلال مسائل الخصومة فمسألتان:
إحداهما: لو وكله في الصُّلْح عن الدم على خمر، ففعل حصل العفو، كما لو فعله الموكل بنفسه وهذا لأن الصُّلْح على الخمر، وإن كان فاسداً فيما يتعلق بالعوض، ولكنه صحيح فيما يتعلق بالقصاص، فيصح التوكيل فيما لو فعله بنفسه ليصح، لا أن نصحح التوكيل في العقد الفاسد، ولو وكله بالصلح عن القصاص على خمر، فصالح على خنزير، ففيه جوابان عن ابْنِ سُرَيْجٍ:
أشبههما: أنه لغو ويبقى القصاص على ما كان؛ لأنه مستبدّ بما فعل غير موافق لأمر الموكل.
والثاني: أنه كما لو عفا على خمر, لأن الوكالة بالصلح ثابتة، والخمر لا تثبت، وإن ذكرت، وإِنما تثبت الدية فلا فرق فيما يصح، ويثبت بين أن يذكر الخمر، أو الخنزير، وعلى هذا لو صالح على ما يصلح عوضاً أو على الدية نفسها يجوز، ولا خلاف في أنه لو أجرى هذا الاختلاف بين الموجب والقابل في المصالحة يلغو لعدم انتظام الخطاب والجواب، ولو وكله بأن يخالع زوجته على خمر، فخالع على خمر، أو خنزير، فعلى ما ذكرنا في الصُّلْح عن الدم.
(١) قال النووي: وإذا ادعى على وكيل مالاً، وأقام بينة وقضى بها الحاكم، ثم حضر الغائب وأنكر الوكلالة، أو ادعى عزله، لم يكن له أثر, لأن الحكم على الغائب جائز. قال في "التتمة". وإذا اعترف الخصم عند القاضي بأنه وكيل، جاز له المحاكمة قطعاً. وفي وجوبها عليه، الخلاف فيما إذا اعترف بأنه وكيل في قبض الدين، هل يلزمه دفعه إليه، أم لا يجب حتى يقيم بينة؟ ينظر الروضة ٣/ ٥٥٢.