أحدهما: أنه يصدق الوكيل بيمينه؛ لأنه ائتمنه، فعليه تصديقه، ولأنه مالك لإنشاء التصرف، ومن يملك الإنشاء يقبل إقراره كالولي المجبر إذا أقر بنكاح موليته، وبهذا قال أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- إلاَّ في النكاح إذا اختلف فيه الوكيل والموكل، فالقول قول الموكل.
والثاني: أن القول قول الموكل؛ لأن الأصل العدم، ولأن الوكيل مقر عليه بزوال الملك عن السلعة، فوجب إلاَّ يقبل، بخلاف ما إذا ادعى، الرد أو التلف، فإنه يبغي دفع الضمان عن نفسه، لا إلزام الموكل شيئاً، وما الأصح من القولين؟ وما كيفيتهما.
أما الأول: فكلام أكثر الأصحاب ترجيح تصديق قول الموكل، وهو اختيار ابن الحَدَّادِ (١) ورجحه الشيخ أبُو عِليٍّ من جهة القياس.
وأما الثاني: فإن قول تصديق الموكل منقول عن نص الشَّافعي -رضي الله عنه- في مواضع، واختلف الناقلون القول الآخر، فذكر الرُّوَيانِيُّ وغيره أنه منصوص عليه في "الرَّهْن الكبير".
قال الشيخ أبُو عَليٍّ إنه مخرج خرجه ابْنُ سُرَيْجٍ على هذه الطريقة، وربما أبدلوا لفظ القولين بالوجهين.
وفي المسألة وجه ثالث، وهو أن ما يستقل به الوكيل، كالطلاق والإعتاق، والإبراء يقبل فيه قوله مع يمينه، وما لا يستقل كالبيع، لا بد فيه من البينة، ولو صدق الموكل في البيع ونحوه، ولكن قال: كنت عزلتك قبل التصرف، وقال الوكيل: بل كان العزل بعد التصرف، فهو كما لو قال الزوج: راجعتك قبل انقضاء العدة، وقالت: انقضت عدتي قبل أن تراجعني، ولو قال الموكل: قد باع الوكيل، وقال الوكيل: لم أبع فإن صدق المشتري الموكل حكم بانتقال الملك إليه، وإلا فالقول قوله.
الثانية: دعوى الوكيل تلف المال مقبول مع يمينه، كما في المودع، وكذا دعواه الرد على اختلاف، ذكرناه في "الرَّهْن" والظاهر القبول أيضاً.
وقد ذكر صاحب الكتاب حكم دعواه الرد مرة في "باب الرَّهْن" إلا أن لفظه في حكايته طريقة العراقيين هناك جواب على أحد وجهيهم، وهو أن الوكيل بالجُعل غير مصدق، وهاهنا نص على الوجهين، كما ذكرناهما في شرح طريقتهم هناك، وقد بينا، ثم إن تسويته بين دعوى التلف والرد في نقل الخلاف على خلاف ما أورده الجمهور، ولفظه هاهنا صالح لما ذكره هناك، ولما هو الحق أن يفصل بين قوله، وكذا إذا ادعى
(١) في ب: ولم يرد القاضى ابن كج وغيره القاضي الروياني في الحلية: الأصح. تصديق الوكيل.