بين أَنْ يَتَّحِدَّ الجنس كصلاتين، أو طوافين، أو يختلف كصلاة، وطواف، ولا فرق في ذلك بين البالغ والصَّبي، وحَكَى القاضي الروياني في الصَّبي هل يجمع بين فريضتين بتيمم واحد؟ وجهين: والصحيح: أنه لا يجمع؛ لأنه وإن لم يكن مكلفاً لكن ما يؤذيه حكمه حكم الفرائض، ألا ترى أنه ينوي بصلاته المفروضة، ولا فرق في المكتوبة بين
= كنا لا ننكر أن إطلاق ذلك يصدق مع الواسطة، ولكن العادة أن من له رئيساً معظماً: أمرنا بكذا فإنما يريد أمر رئيسه، ولا يفهم عنه إلا ذلك، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو عظيم الصحابة ومرجعهم، والمشار إليه في أقوالهم وأفعالهم، فتصرف إطلاقاتهم إليه -صلى الله عليه وسلم- وما قيل إن الفاعل إذا حذف احتمل النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيره، فلا تثبت شرعاً بالشك، فجوابه أن ظاهر الحال صارف -صلى الله عليه وسلم- كما تقدم تقديره. وكذلك السنة أصلها في اللغة: الطريقة، ومنه سنن الطريق الذي يمشي فيه، غير أنها في عرف الاستعمال صارت موضوعة لطريقته عليه السلام في الشريعة. كذا قال القرافي في التنقيح، ومما يؤيد أن ذلك في حكم الرفع في السنة، ما رواه البخاري في صحيحه في حديث ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، في قصته مع الحجاج حين قال له: (إن كنت تريد السنة فهجّر بالصلاة) قال ابن شهاب: فقلت لسالم: أفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: وهل يعنون بذلك إلا سنته -صلى الله عليه وسلم-؟ فنقل سالم وهو أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وأحد الحفاظ من التابعين عن الصحابة - أنهم إذا أطلقوا السنة، لا يريدون بذلك إلا سنة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ومما يؤيد الرفع في (كنا نؤمر) ما رواه الشيخان عن أبي موسى في قصة استئذانه على عمر، ولفظ البخاري: عن أبي موسى قال: استأذنت على عمر ثلاثاً، فلم يؤذن لي، وكأنه كان مشغولاً فرجعت، ففرغ عمر فقال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس؟ إيذنوا له! قيل: قد رجع! فدعاني، فقلت: (كنا نؤمر بذلك) فقال: تأتيني على ذلك بالبينة، فانطلقت إلى مجلس الأنصار فسألتهم، فقالوا: لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا أبو سعيد الخدري، فذهبت بأبي سعيد الخدري فقال عمر: أضفي على هذا من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ألهاني الصفق بالأسواق؟ يعني الخروج إلى التجارة - زاد مالك في الموطأ (فقال عمر لأبي موسى: أما إني لم أنهمك، ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال الشراح: وحينئذ فلا دلالة في طلبه البينة، على أنه لا يحتج بخبر الواحد، بل أراد سد الباب خوفاً من غير أبي موسى، أن يختلق كذباً على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند الرغبة والرهبة، وقالوا في الحديث: إن قول الصحابي (كنا نؤمر بكذا) له حكم الرفع. قال الحافظ في شرح النخبة: وأما قول بعضهم: إن كان مرفوعاً فلم لا يقولن فيه: قال رسول الله؟ فجوابه: أنهم تركوا الجزم بذلك تورعاً واحتياطاً. ومن هذا قول أبي قلابة عن أنس: من السنة إذا تزوج البكر على الثيب، أقام عندها سبعاً، أخرجاه. قال أبو قلابة: لو شئت لقلت: إن أنساً رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أي لو قلت: لم أكذب، لأن قوله: من السنة هذا معناه، لكن إيراده بالصيغة التي ذكرها الصحابي أولى. انتهى. أقول: قوله: تورعاً واحتياطاً، هذا يظهر في بعض الوجوه، ومنه ما ذكره وأحسن منه أن يقال: إن قولهم من السنة، أو كنا نؤمر، ونحوهما، هو من التفنن في تبليغ الهدى النبوي، لا سيما وقد يكون الحكم الذي قيل فيه: أمرنا، أو من السنة من سنن الأفعال لا الأقوال، وقد يقولون ذلك إيجازاً، أو لضيق المقام، وكثيرًا ما يجب العالم عن المسائل التي يعلم حديثها المرفوع، ويحفظه بحروفه بقوله: من السنة كذا، لما ذكرنا من الوجوه ولغيرها، وهو ظاهر. انظر قواعد التحديث (١٤٤ - ١٤٦).